الإعلام الإلكتروني بين الحاسبات و الحسابات
سامح المحاريق
23-09-2007 03:00 AM
يوجد فرق كبير بين عالم الانترنت و حارة أبو عواد، على الأقل في المنطق، ولكن أن تنحوا بعض الجهات إلى التعامل مع الانترنت بنفس العقلية الكوميدية لحارة أبو عواد فتلك أزمة حقيقية، فالقرار الأخير الذي أعلنته دائرة المطبوعات و النشر لا يتنافى فقط مع توجهات المملكة نحو مزيد من الانفتاح في الحريات الإعلامية، ولكنه يتناقض مع المنطق و يجافي العقل، وبغض النظر عن السند القانوني الذي استندت له الدائرة و التي قامت من خلاله بتوسعة صلاحيتها لتشمل المواقع و الصحف الإلكترونية، فإن ذلك القرار يعد أيضا غير عملي، فالاستهداف هنا سيتوجه إلى مجموعة ضئيلة من المواقع التي تعمل من خلال كيانات قانونية مختلفة، بينما لن يستطيع أن يمتد مثلا إلى المواقع الفردية، ولو جنحت الحكومة إلى مثل هذا الاختيار في مطاردة المدونات الشخصية و حجب المواقع التي تعمل من خارج الأردن وغير ذلك من الإجراءات المتاحة تقنيا، فإنها ستفتح عصرا عرفيا جديدا تصبح فيه الحرية عملة شحيحة لدى شعب تعلم أو يفترض أنه يمتلك الشجاعة ليقول للإعور أنت أعور في عينيه.وبرغم الجرأة في الحق التي ندعي أن نسعى لأن نلتزم بها، وبرغم أن الصحافة الإلكترونية لم تتجاوز في يوم من الأيام ما تكتبه الصحافة الورقية في الأردن إلا لماما، و إلا أننا نتساءل عن الآليات التي ستستخدمها دائرة المطبوعات والنشر للرقابة على المحتوى الإلكتروني، فالمطبوعات والنشر يجب أن تنفذ أحكام القانون، ويفترض أنه هناك جهات أخرى غيرها تمتلك صلاحية تفسير القانون، فهي في النهاية ليست جهة تشريعية لتخرج بالقاعدة التي استندت عليها في قرارها والتي نصت على ((والصحافة الالكترونية بشكل عام تكمل عمل الصحافة المكتوبة ، وبالتالي تخضع للتدقيق من دائرة المطبوعات والنشر ، والى قانون المطبوعات والنشر.))
بعيدا عن الإعتبارات التقنية و القانونية التي يمكن أن نحاجج فيها المطبوعات والنشر، فإن الموضوع كما يبدو أصبح استهدافا يقترب من حدود الشخصنة بين بعض القائمين على السياسة الإعلامية وبعض العاملين في الحقل الإعلامي، هذا الاستهداف نشأ عن موجة من الإستعداء كللتها بعض المواقع المحسوبة على الأردن والتي تعمل من إحدى العواصم الأوروبية، حيث عمد أحد كتبتها اللبنانيين المقيمين في دولة خليجية للإشادة بقرار الحكومة الأردنية مراقبة المواقع الإلكترونية، معرجا على المقال الذي يبدو أنه أجج الأزمة الأخيرة، وهو لأستاذنا فايز الفايز حول ما رآه إهانة للأردن من قبل مطربة لبنانية درجة ثالثة، وأفترض أن الكاتب اللبناني وجد هذا الموضوع أكثر أهمية من الاستحقاق الرئاسي المقبل في لبنان لذا فقد استل قلمه ليدبج بضع مئات من الكلمات حوله، أتحفنا فيها بمعرفته المتناهية و الدقيقة لتفاصيل الصراعات الإعلامية الأردنية، كما وتفضل سيادته بمنح لقب \"مشبوهة\" لبعض الأقلام الأردنية مطالبا الحكومة بلجمها، و لنعتبر أن كلام الأستاذ فايز بالفعل مشبوه وأتى في سياق صراعات أخرى لا يعلمها إلا الله و الكاتب اللبناني إياه، فهل يمكن أن نستمر في استمراء الإهانات التي وجهها الكاتب إلى المئات من المشتركين في إفك الصحافة الإلكترونية في الأردن، حيث يقول ((بالاضافة الى ان عشرات من التعليقات تحملها تلك الصحف الالكترونية باسماء وهمية لقراء لم يتعودوا هذا النمط من \"الحرية الاستباحية المتاحة\" عبر فضاءات الانترنت)) إذن فنحن من وجهة نظره ((هجين)) على الحرية.
بهذه الصفة الهجينية و بصفتنا شعب غير مؤهل للتعامل مع الحرية، ونزولا على رغبة دائرة المطبوعات والنشر أدعو الأستاذ فايز الفايز و الأستاذين سمير الحياري و باسل العكور، و صخر أبو عنزة و هاشم الخالدي ممن غامروا بولوج عالم الصحافة الإلكترونية، ومن يرغب من قبائل المدونين الأردنيين لإغلاق المواقع الإلكترونية وفتح مضافة كبيرة في أحد ضواحي عمان لنواصل تخريفاتنا المعتادة بعيدا عن تأثير الأقلام المشبوهة، فنحن كما يرانا الآخرون سذج، وكما ترانا حكومتنا الرشيدة مغرضين، و عليه فإننا نطالب بالعودة إلى زمن حارة أبو عواد يوم كانت الأردن رائدة في الإعلام المرئي و المسموع و الدراما و الشعر و الرواية، بدلا من هذا الزمن الذي يضيق علينا بأبسط حقوق الإنسان.