على أميركا إعادة تدريب سفرائها .. !
أ.د عمر الحضرمي
01-01-2012 04:15 AM
بعد التدخلات غير المسبوقة التي قام بها سعادة السفير الأميركي في دمشق، يأتينا سعادة السفير الأمريكي في صنعاء ليتحدث، ساعة باسم الشباب اليمني، وساعة ليطلق أوصافاً على بعض مظاهر الرفض.
وقد أثبتت هذه التدخلات أن الولايات المتحدة قد بدأت بالتعامل مع عدد من الدول العربية كما تتعامل مع ولاياتها، فتفرض عليها ما تريد، «وتنهاها» عما تريد، وتقرر لها ما تريد، فحيناً تطلب من هذا الرئيس التنحي فوراً، وحيناً آخر تأمر هذه الأنظمة وغيرها بأن تمارس ولاء لها دون أن تسأل، على اعتبار أن قرارها قادم من «فوق».
ولا تبقِي من الشأن الداخلي لهذه الدول أمراً إلاّ وراحت تفرض نفسها عليه، هي ترسم وهي تقرر وهي تحاسب.
في علم الدبلوماسية، كان الدرس الأول، أن هناك سيادتين للدول، أولهما السيادة الداخلية، أي حق الدولة «المطلق» بممارسة صلاحياتها واختصاصاتها على كل شبر من إقليمها، بحيث تصبح السيادة ممثلة ما للدولة من سلطان على إدارة شؤونها الداخلية وشؤون كل المواطنين القاطنين ضمن إقليمها، سواء كانوا من رعاياها أو من رعايا دول أخرى. وهذه السيادة مطلقة وكاملة ولا يمكن التنازل عنها أو عن أي جزء منها.
هنا ثارت قضية التنازع بين القانون الداخلي (السيادة الداخلية للدولة) وبين القانون الدولي العام (حدود السيادة الخارجية للدولة)، استقر الرأي الفقهي الدولي فيها على ضرورة وجود احترام متبادل بين القانونين، وكان أول ذلك ما عرف بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية.
وهذه تعني أن تقدم الدولة المستقبلة كل الأمن والحماية والإعفاءات وعدم المساءلة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين، وأنشأت بهذا الخصوص، اتفاقية دولية مهمة عُرفت باتفاقية فينا (1961).
التي طلبت إلى جانب تقديم الأمن والحماية للسفراء وللمبعوثين الدبلوماسيين المعتمدين لديها، أن يلتزم هؤلاء من جانبهم بكل نصوص القانون الدولي التي تدعو إلى ضرورة احترام سيادة الدولة المستقبلة الداخلية، وعدم تهديد أمنها، أو التجسس عليها، أو التدخل في شؤونها الداخلية، أو إثارة القلاقل أو الإساءة لسلامة أراضيها. وأعطت هذه الاتفاقية الحق للدولة المستقبلة «طرد» السفير أو المبعوث الدبلوماسي من أراضيها إنْ هو مارس أي تصرف غير مشروع.
أظن إن الولايات المتحدة الأمريكية، وسكرتيرة الرئيس للشؤون الدولية، تغافلت «عمداً» عن هذه الاتفاقية، وضربت «عمداً» بالأعراف الدولية عرض الحائط ، وجعلت من نفسها هي «السيدة» وغيرها هم مجرد «أتباع وعبيد»، تهش بعصاها على من «يعصاها»، وأنها هي الراعي الذي يجمع أغنامه آخر النهار ليدخلها «الحضيرة» ويغلّق دونها الأبواب حتى صباح الغد.
سيدتي سكرتيرة الرئيس الأمريكي للشأن الدولي، ليس هناك أي عُرف في الدنيا يسمح لسفرائك أو مبعوثيك الدبلوماسيين أن يتدخلوا في شؤون الدول المعتمدين لديها، هذا خرق للقانون الدولي، الذي استمرأت الاعتداء عليه ليل نهار.
أرجو أن تعيدي تدريب سفرائك، وأن تدخليهم في دورات المعاهد الدبلوماسية، بدل أن ترسليهم إلى معهد «شملان» لتدريبهم على الجاسوسية وعلى طرق ووسائل التدخل في شؤون الآخرين .
كثير منا في العالم العربي غير راضين عن العديد من ممارسات الأنظمة السياسية العربية، ولكن كلنا على الإطلاق رافضون هذا الاستهتار بسيادات الدول التي يمارسها السفراء الأمريكيون والأوروبيون عندنا.
الرأي