أيتها الحكومة .. لا تعودي القهقرى
23-09-2007 03:00 AM
في تقريره حول الانتخابات البلدية الاخيرة، رسم المركز الوطني لحقوق الانسان مشهدا حقيقيا لكل ما جرى يوم الاقتراع، فهو مشهد جسد بحق صورة سوداوية لما جرى، فهي وإن راوغت الذاكرة في محاولة لمَحْيه أو غض الطرف عنه، لكن أجدني اليوم، بمناسبة تقرير المركز الوطني، استعيد تلك الصور رغما عني، فهو موسم موت لديمقراطية طالما عزفتها سيمفونيات حكومية موبوءة باستلاب الحقيقة والارادة.
"أبصم" عن ظهر قلب على كل النقاط الاحدى عشرة الواردة في التقرير، حتى انه بالإمكان الاضافة اليها الكثير من الاساءات بحق الارادة والوطن.في مادبا، باعتباري الحاضر الغائب عن ما جرى، انتشرت الاقاويل وباتت حديث الشارع عن مغازلة حكومية لهذا التجمع العشائري او ذاك. كان الكل يحاول الفوز بثقتها تزلفاً لكرسي بلدي ستوصلهم اليه، لكن الكرسي واحد، وعدد الملتمسين ثقتها كثر، لذا كان لا بد لها من أن تحسم أمرها بشأن أحدهم، بيد أن المشهد ازداد تعقيدا وسوءا بفعل ظن بعض المرشحين بأنه سيكون "خيار الدولة" حتى الساعات الأخيرة في يوم الاقتراع نفسه.
الأنكى، هو دور أخذه "صحافيون" على عاتقهم، باحترابهم "ايقونيا" عن الحكومة كخط دفاع أول في صخب "الميمعة"، متسلحين بكليشيهات جاهزة تعكس نضوبا في استقلال الموقف، فتبنى عدد لا بأس به منهم موقفا منافحا عن ما جرى من تهتك بحق مسيرة ديمقراطية مزعومة كانوا، هم انفسهم، بشروا بها مسبقا بينما هاجم آخرون الحقيقة المتجلية بشفافية في تقرير المركز الوطني، وفي ذلك ليس جريمة كبرى بحق مهنية وحيادية ادّعوها فحسب، بل تعزيزا لحقيقة "فصام" يعانيها الغاوون.
يكثر السرد القصصي حول ما صار إليه الحال في "العرس الديمقراطي"، لكن أهم النقاط لم يتردد المركز الوطني في ذكرها، فيما حازت الحكومة قصب السبق دون منازع في مضماري التردد في الاختيار، والعجز عن كبح التغول على الديمقراطية.
أحاول أن أجد معادلة لما حصل، مفترضا حسن النية، متتبعا لتوازنات خيلت لي في المشهد المحلي، وأحسب الحكومة حزبا يحق له ممارسة اللعبة السياسية بأدواته المتاحة وعلى طريقته، متقمصا ثوب المنافس الشرعي، لكن هذا الحزب أبى عليه سوء ظنه وحذره إلا أن يصير إلى ما رأينا، حزبا شموليا أوحدا لم يترك فسحة في جدار من ظلم، فقد كان بمقدوره تشذيب الصورة، حين قيّض له ذلك بانسحاب "الإخوان" ذات ظهيرة من السبق، غير أنه أبدى تعنتا وإصرارا على الإيغال في الخطأ.
في آن، ظهر المرشح والناخب أسيران كسيران امام قوة ذلك الحزب وجبروته، لا حول لهما ولا قوة.
الحكومة لن يضيرها شيء بما ورد في تقرير المركز، فالشعب مغلوب على أمره، ولن يهمه ما حصل باعتبار أولوياته ترتبط بـتأمين قوت يلبي شهوة البقاء، لا لتحقيق اصطفاق في عدم لا يعرف منتهاه، وإن حدث ذاك الاصطفاق، فسيقبض ريحا وسيحصد هشيما.
وعلى ذلك، ندعوها الى المبادأة، وصحة العزم ووضوح القصد، بكل تلافيفه، في ما اعلنت حول "المسافة الواحدة من الجميع" في الانتخابات النيابية المقبلة، لا أن تعيدنا الى مضمار الانتخابات البلدية مرة اخرى، فإذا ما ارادت أن تستعيد الثقة الشعبية فعليها بذلك، إذ بضدها تتميز الأشياء.
ومن هنا، عليها ايضا أن تصلح ما اُفسد، وتجبّر ما كُسر، وأن ترتّق ما أُخرق، وإلا، لما متوالية التصريحات حول مسافة واحدة تقفها من الجميع؟.
alaa_alghad@yahoo.com