تحية لك أيها العام الخالد!
جميل النمري
31-12-2011 03:40 AM
عاما مشهودا انتهى وأي عام؟!
لا منجمو الفضائيات ولا خبراء مراكز الدراسات ولا محللوا الدوريات المتخصصة، لا أحد توقع أبدا الأحداث التي عصفت بمنطقتنا هذا العام، عام الربيع العربي. الكل حبس انفاسه مدهوشا ابتداء من زعماء الدول وقادة الحكومات، وأكاد أقول أن جمهور الثورات نفسه لم يكن أقلّ اندهاشا وهو يكتشف ذاته وما هو قادر على اجتراحه بعد تلاشي غلالة من الوهم اسمها الخوف ما ان سقطت حتّى سقط معها جبروت الأنظمة. . ثم يأتيك من يتحدث بنظرية المؤامرة والسياق المخطط والمرتب سلفا لهذه الثورات !!
والله لو كان هناك من حلم بليل ان يجمع مليون مصري في ساحة التحرير يعتصمون تحت شعار " الشعب يريد اسقاط النظام " ثم ذهب بخطته العتيدة الى أركان البيت الأبيض يعرضها عليهم لنظروا اليه شزرا أو تغامزوا ساخرين من هذا الحالم الأهبل.
الثورات العربية هي من مفاجآت التاريخ، وقد كانت متوقعة هذا العام بقدر ما كان متوقعا انهيار الاتحاد السوفييتي وجميع انظمة اوروبا الشرقية عام 1990!!. بالطبع الغرب كان يدعم ويشجع المعارضة داخل تلك البلدان لكن أحدا لم يكن يتخيل أو يتوقع هذا المسار التفاعلي المتسارع كالبرق للثورات الشعبية السلمية التي عصفت بالتسلسل بجميع الأنظمة الاستبدادية فما حدث خلال أشهرلم تتخيله زعامات تلك الأنظمة ولا شعوبها ولا الغرب.
لو أن القذافي رأى شريط يومه الأخير يمرّ أمام عينيه بتفاصيله الشنيعة أو أن مبارك رأى نفسه عبر رحلة الى المستقبل وهو على سرير يجرّ الى القفص أمام ابنيه فماذا كانوا سيفعلون يا ترى؟ّ! سيفكرون على الأرجح بخروج كريم وسريع من السلطة بدل التعنت حتّى النهاية، والله وحده يعلم ماذا يخبىء المستقبل لبشار الأسد؟! قد يكون مصيرا أبشع من القذافي وربما فرارا موفقا على غرار بن علي أو توافق شبيه بما أنجز باليمن. الحكمة تقول في كل الأحوال ان التنحي عبر تسوية هو الخيار الأكرم والأفضل، لكن قلما كانت الحكمة ضالّة السلطة الحاكمة.
الربيع العربي هو صنيعة فريدة للتاريخ والتاريخ هو المحصلة لسلسلة معقدة من المعطيات المتفاعلة والمتغيرة يعلم الجميع مدخلاتها ويكاد يستحيل توقع مخرحاتها. الجميع يفكر ويخطط وينشط بهذه الطريقة او تلك لكن من المستحيل لأحد أن يتوقع المستقبل ناهيك عن أن يقرره!
والعرب اجترحوا المستحيل، أو ما كان يبدو مستحيلا في دنيا العروبة، أقصد ثورات شعبية سلمية تؤدي الى اسقاط أنظمة. لم يكن المسار متشابها أو على نفس الدرجة من التوفيق فالانجاز الباهر والسريع للثورتين التونسية والمصرية لم يتكرر، لكن الثورة هي نفسها وهدفها واضح وأنظمة ما قبل الربيع العربي ذاهبة الى زوال، وفي سوريا بعد ستة آلاف قتيل لا يتراجع الشعب ويبقى مصرا على الاستمرار في وجه أكثر الأنظمة عنفا وقذارة. السلطة توغل في الاجرام تحت ستار كثيف من الكذب والتزييف لكن الناس يخرجون بغضب وعزيمة أمضى في وجه جلاّديهم!؟
انه عام العرب بلا منازع يدخلون به العصر ويشلحون أسمال الماضي المسربل بالخزي والعار . . فتحية لك ايها العام الخالد في التاريخ.الغد