أيام قليلة، تم تذكير المجتمع الدولي والعرب والعالم بتنظيم القاعدة؛ أولاً على وقع التفجيرات الدموية التي هزّت بغداد، بعد الإعلان عن نية القضاء توقيف نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، أو ما سبقها من انفجارات ضربت مراكز أمنية حساسة في دمشق غداة وصول المراقبين العرب.
ثمة من لا يريد انتشار الربيع الديمقراطي العربي ويريد أن يقلبه إلى خريف طائفي. ومن الواضح أنّ صلات مباشرة أو غير مباشرة بين ما يحدث في دمشق وبغداد وحتى بيروت (الحديقة الخلفية للأزمات الإقليمية). أما الرسالة السياسية السافرة من تلك التطورات فواضحة: "إنّ معادلة سقوط النظام السوري تتجاوز الثورات السابقة إلى محاولات تفجير المنطقة بأسرها!".
"القاعدة" باتت "ورقة الجوكر"، لا تعرف من يستخدمها ويوظفها في الأزمات، وهو ما حدث في تفجير المراكز الأمنية في دمشق. إذ أكدت السلطات هناك أنّ "القاعدة" تقف وراء التفجير. لكن لماذا نتوقع أنّ "القاعدة" بريئة من تفجيرات دمشق "براءة الذئب من دم يوسف"؟
أولاً؛ لأنّها تعلن، دوماً، مباشرة مسؤوليتها عن أي عمليات تقوم بها، حتى لو فشلت أو أتت بنتائج عكسية، كما كانت عليه الحال في تفجيرات عمان 2005، وهو ما لم يحدث.
ثانياً؛ في أبجديات الكشف عن المتسبب والمسؤول عن أيّ حادثة، فإنّ السؤال الأول والرئيس: من المستفيد؟ وفي تفجيرات دمشق بدلالتها وتوقيتها، فإنّ النظام هو المستفيد الأول، وربما الوحيد، من هذه التفجيرات، فهي بمثابة "طوق النجاة" له، غداة وصول بعثة المراقبة العربية، وإرهاصات تفكير روسي بتغيير المقاربة تجاه سورية، بصورة أكثر واقعية وتكيفاً مع المصالح الروسية، وبعد أن وصل الروس إلى قناعة أنّ بقاء النظام بالصيغة الراهنة والنخبة الحالية بات في حكم المستحيل.
ثالثاً؛ هنالك أسبقيات واضحة للنظام السوري في الاختباء وراء اسم "القاعدة" والجماعات المسلّحة لتنفيذ أهدافه السياسية. ولعلّ النموذج الصارخ على ذلك المدعو أبو القعقاع، وهو الخطيب والواعظ المعروف، الذي وظفه الأمن السوري لتجنيد المقاتلين والمتطوعين العرب إلى العراق، ولعب دوراً أساسياً في ذلك، إلى أن انتهت مهمته بنجاح، واكتُشف أمره حتى من "القاعدة" نفسها، فتخلّص منه الأمن السوري عبر "سيناريو رديء".
وليس بعيداً عن ذلك مهزلة "الفيديو" الذي أنتجه التلفزيون السوري لاعترافات المدعو "أبو عدس" في قصة اغتيال الحريري وتدبيجهم بياناً مزوراً باسم "القاعدة"، وهو ما نفته "القاعدة" لاحقاً.
رابعاً؛ هذه الفرضيات تفترض "سذاجة" مفرطة من "القاعدة" في التعاطي مع الأزمات والشأن السياسي، وهي فرضية خاطئة تماماً، بل من يرصد مقاربات "القاعدة" للربيع الديمقراطي العربي وسلوكها السياسي في اليمن وتنظير قياداتها (بن لادن سابقاً، الظواهري حالياً، أنور العولقي، أبو يحيى الليبي، أبو محمد المقدسي)، سيجد تصوراً واضحاً يدرك خطورة التورط في العمليات المسلّحة في الربيع الديمقراطي العربي، ويحاول قدر الإمكان الابتعاد عن استثمار اسمها من النظم العربية الحالية لإجهاض الثورات أو التأليب عليها، كما حاول علي عبدالله صالح في اليمن.
في المحصلة، لو لم تكن "القاعدة" موجودة أصلاً لحرص نظام الأسد على اختراعها لخدمة بقائه ونجاته عبر خلط الأوراق، ومحاولة استنساخ النموذج اليمني، وفقاً للمقاربة الروسية اليوم.
إيران، من جهتها، رفعت من حجم دعمها وحضورها في الملف السوري عبر ربطه بالملفات الإقليمية الأخرى، العراق ولبنان، في رسالة بأنّ أي "صفقة" حول سورية لا بد أن تكون طرفاً فيها.
m.aburumman@alghad.jo
الغد