الموقف الرسمي من أحداث المفرق مرتبك وغير واضح وغير مفهوم, ويثير الالتباس لدى الشارع الأردني ولدى القوى السياسية, ولدى الشباب على العموم, وأيضاً لدى العشائر, ولدى كل مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية.
لقد تمّ الاعتداء على مسيرة سلميّة هادئة مشروعة, تطالب بمطالب مشروعة, وتنادي بالإصلاح, ولم تخرج على الدستور ولا القانون, وتمّ إصابة ما يقارب ثلاثين مواطناً أردنيّاً, بعضهم يحمل شهادة الدكتوراة وقد فقد عينه, وبعضهم مصاب بكسر بالجمجمة, كما تمّ الاعتداء على مقرّ حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين, التي تمثل القوة السياسية الأكبر على الصعيد السياسي المحلي الأردني اضافة إلى الحضور السياسي المشهود على المستوى الإقليمي والعالمي, وتمّ سرقة المقر ونهب محتوياته, بما في ذلك الأبواب والنوافذ والسجاد والمغاسل وصنابير المياه, فضلاً عن إحراق الكتب والسجلات والملفات, وتحطيم اللافتة الكبيرة على المبنى أمام شهادة الشهود من رجال الأمن والشرطة والأمن الوقائي والدرك والمواطنين, وتمّ تصوير ذلك وهو موجود وموثق على أغلب المواقع الإلكترونية, كما أنّ الاتصال كان مع دولة رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الإعلام حول ما كان يجري أولاً بأول على الهاتف بشكلٍ حثيث ومستمر.
وبعد ذلك يتمّ تجاهل رسمي مطبق لما حدث, ولم يحدث استنكار حكومي صريح, ولم تنطق مؤسسات الدولة الكبرى بأي خبر يشفي غليل المواطن الأردني, ولم يصل اهتمام وسائل الإعلام الأردنية, وعلى رأسها التلفزيون الأردني درجة الاهتمام بخبر عن تدهور حافلة على بعض الطرق الأردنية.
والآن نحن لسنا بصدد مشاعر أصحاب القرار في الدولة الأردنية, ولا مشاعر مراكز القوى, وهل هم يشعرون بالرضى والتشفي, أم الاستنكار, مع العلم أنّ الحدث في مسقط رأس رئيس مجلس النواب المحترم, ولم تدرج المسألة على جدول جلسة مجلس النواب, ولم يتمّ بحثها وهل هي تمثل اعتداء على سيادة الدولة وهيبتها, وهل لها مساس بأمن الأردنيين والمواطنين, أم أنّها انتصار للدولة وصفحة مشرقة مثل موقعة الكرامة, علماً بأنّه قد تمّ بحث »الطوشة« بين طلاب الجامعة الأردنية في الفترة الزمنية نفسها.
مؤسسات الدول الرسمية كلّها مدينة للشعب الأردني بتوضيح حول ما جرى; هل هذا الإجراء صحيح, وهل جهاز الأمن العام عاجز عن حماية أمن الأردنيين ومقرات الأحزاب السياسية الدستورية والقانونية, وهل جهاز الأمن العام والأجهزة الأمنية الأخرى عاجزة عن حماية (السفارة الصهيونية) بالدرجة نفسها وبالطريقة نفسها, فيما لو أرادت مجموعة من المواطنين حرقها بالطريقة نفسها, وقد سمعت وزير الداخلية يرد على المكالمة التلفونية مع أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي أنّنا لسنا قادرين على توفير الحماية "لمقرات".
قوى الإصلاح تتساءل بحيرة شديدة هل هذا الأسلوب يمثل السياسة المعتمدة لدى الأجهزة المختصة, وهل هذا الأسلوب هو عنوان المرحلة المقبلة, وهل هذا الأسلوب هو قرار أمني أم تصرف عفوي, وهل هو محل رضى من العقل المدبر?.
القوى السياسية تريد أن تعرف هل هناك قرار مركزي بهذا المنهج, أم أنّ هناك مراكز قوى تتصارع وتتنافس في فرض رأيها ومنهجها وأسلوبها الخاص, وهل هناك عدة حكومات في البلد على غرار ما كان سابقاً, وكل حكومة تريد أن تثبت حضورها الحقيقي ودورها الفاعل, وهل هناك حكومة خفية تدير الأمور من خلف ظهر الحكومة المعلنة?.
الشعب الأردني كلّه يريد أن يعرف من هو صاحب القرار, وإلى من يذهب, إلى من يشكو, من يعاتب ومن يحاور? والشعب الأردني يريد أن يسمع جهة رسمية تتبنّى ما حدث وتدافع عنه حتى يتم الحوار مع صاحب هذا النهج في التعامل وهذا الأسلوب في مواجهة المتظاهرين; حتى يكون الأمر على بيّنة, وإذا كان ما تمّ صحيحاً ومرضياً لبعض الجهات فلماذا لا يتمّ دسترة البلطجة وإباحة الاعتداء على الآخرين بالقانون, ولماذا لم يتمّ شرعنة الحرق والنهب والسلب, والسب والشتم, ولماذا لا تتمّ المطالبة باسم هؤلاء بالعودة إلى ما قبل الدولة, رداً على المطالبين ببناء الدولة الأردنية المدنية الديمقراطية الحديثة?.0
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم