من حقل الدين خرجت الثورات .. والصناديق أيضا!
حسين الرواشدة
29-12-2011 03:34 AM
ثمة سؤالان مركزيان في المشهد العربي ما بعد الثورات العربية، احدهما هو: من اين المهادات خرجت من هذه الشعوب التي اسقطت أو أفزعت أنظمتها، والآخر: لماذا انحاز الناس للاسلاميين في صناديق الانتخابات ومنحوهم شرعية الحكم التي سحبوها من الانظمة؟
اعتقد ان الاجابة على السؤالين تكمن في “الحقل الديني”، فمن هذا الحقل خرجت الشعوب في ثوراتها، ومنها ايضا خرجت الأصوات الى الصناديق، لكن من المفارقات ان الأنظمة هي التي “شيدت” هذا الحقل، لا لأنها تعبر عن رغبة في احترام الدين او عن إيمان به، إنما لأنها أرادت ان تستمد منه شرعيتها بعد ان اكتشفت أن كل “الشرعيات” التي تلبستها لم تكن لتقنع الناس، اما كيف حدث لك فاعتقد ان علاقة الانظمة بالدين اتجهت الى مسارين: احدهما مسار “تمييع” الدين وتدجينه من خلال بناء ما يلزم من مساجد ودعم “طبقة” من الدعاة المبشرين بـ “التدين” الاستهلاكي وايهام الناس بأن “الاعتناء” بتدين الناس وحريتهم في العبادة جزء من “السياسة” واساس لها، وهنا نتذكر موقف الانظمة من المواسم الدينية واحتفائهم بها سنويا، واظهار “تدينهم” من خلال المشاركة في انواع العبادات الجماهيرية... وغير ذلك..
وقد افضت هذه الاعتبارات الى انتاج “حالة” دينية لدى الناس، كان مقدرا لها ان تسير في اتجاه “اسكاتهم” وتطمينهم واشغالهم بأمورهم الفردية وعلاقتهم مع خالقهم، لكن هذا التقدير انقلب في اتجاه معاكس، فقد استطاع الناس ان يتجاوزوا حدود “التدين” المغشوش الى آفاق “التدين” المنتج، وتحول تدينهم بالتالي الى “ثورة” انطلقت من المساجد وأخذت رموز الدين في الشهادة او الشعار او غيرها.
اما الاتجاه الآخر في التعامل مع “الدين” فقد اعتمد منطق الاستعداء والاستعلاء والاستئصال، وكان طرفه الآخر الحركات الاسلامية التي عملت في السياسة او دخلت مع الأنظمة في الصراع عليها. (لاحظ هنا ان السلفية مثلا كانت محسوبة على الانظمة وبالتالي لم تخضع لهذا التصنيف في الغالب).
وهنا نلاحظ ان “المواجهة” بين الانظمة وهذه الحركات “السياسية” ولدّت عنفا استفادت منه الانظمة، ونجحت من خلاله بتخويف الناس من الاسلاميين، وفي “اغراء” الغرب على دعمها لمواجهة هذا الخطر المشترك، لكن النتيجة جاءت عكس الاتجاه، اذ تمكنت هذه الحركات (اعتمادا على قاعدة المتدينين من الجمهور) ان تستعيد حضورها، وسواء في ميادين الثورة او في الصناديق الانتخابية، لا لأنها هي من صنعت الثورة او قادتها، إنما لأنها وجدت في “رصيدها” الشعبي الموجود اصلا في حقل “التدين” ما يلزم من زخم ايصالها الى الحكم.
يمكن ان نلاحظ - هنا - ان المنطق الذي تعاملت به الانظمة مع “الدين” سواء لاحتوائه وتطويعه او لحذفه واقصائه قد افضى الى ظهور نمطين من “التدين” احدها “جماهيري” نضالي معبأ بالوعي والاستعداد للتضحية، وبالشوق الى الحرية والكرامة والتحرر، والآخر “تدين” سياسي حاول ان يلتقط اللحظة فنجح بالتقاطها، وحاول ان “يطور” خطابه نحو الجمهور فنجح احيانا واخفق احيانا اخرى.
بوسعنا ان نقول إن اخطاء الانظمة في التعامل مع “الدين”: توظيفا او قمعا، كانت الطريق الذي مهد لإسقاطها، ومهد ايضا لعودة “التدين” بأنماط جديدة ومفاجئة، غير تلك التي كان بعض “الدعاة” الجدد يبشروننا بها.
التاريخ : 29-12-2011