سحب القضية الفلسطينية من ساحة المناورات
راغدة درغام
02-02-2007 02:00 AM
دافوس /
انها لضرورة حاسمة ان يستوعب الرئيس جورج دبليو بوش مدى تأثير قناعاته على مصير منطقة الشرق الأوسط برمتها وعلى المستقبل الأميركي ويفعل ما يجب فعله الآن. فما تقدمه قيادات دول فاعلة ورائدة من أفكار سباقة، ومن سوابق لبعضها سيساهم جذرياً في انتشال المنطقة من جحيم آت اليها كما في انقاذ الولايات المتحدة وسمعتها التي لطختها حرب العراق. هذه القيادات تقوم على أعلى المستويات بإعداد مبادرات ذات مفاجآت هدفها اقتلاع النزاع العربي - الاسرائيلي من الحضيض لإقلاع عملية مختلفة نحو السلام في الشرق الأوسط. المحرك وراء إقبالها على الإقدام هو خوفها من هيمنة ايرانية على المنطقة العربية، ومخاوفها من نقمة على سنّة العراق ومن اندلاع الحرب الطائفية بين السنة والشيعة وامتدادها الى الساحة الاسلامية الأوسع. الهدف من إقدامها هو منع حرب أهلية فلسطينية والعمل نحو حل جذري للنزاع مع اسرائيل يبدأ أولاً على المسار الفلسطيني، يليه المسار اللبناني، ثم الموضوع العراقي. العرقلة الكبرى التي ستواجهها هذه القيادات ستأتي من صفوف التطرف ذاتها وعلى رأسها سورية التي سيثور غضبها نتيجة تقويض دورها في العملية السلمية وتقزيمه. أما الرهان الأعظم فإنه الرهان على الرئيس الاميركي الذي قد يأتي بالمفاجآت التاريخية، إذ قد يجد نفسه غير قادر على صنع التاريخ وتنفيذ رؤيته لقيام دولة فلسطين الى جانب اسرائيل بسبب عقائده الدينية. فإذا غلبت العقيدة على الرؤية، فإن الثمن الباهظ سيدفعه الأميركيون ايضاً وليس عرب الشرق الأوسط فقط.
تفاصيل الأفكار وكيفية تنفيذها وتوقيت إطلاقها وتداخل علاقاتها، كل هذه أمور تحاط ببالغ السرية وقد لا يعرفها حقاً سوى حفنة من كبار القادة. انما المنطق الرئيسي وراء ما يحدث هو الآتي: الفرز الجريء والعلني لمواقف عربية تجاه اسرائيل مقابل مواقف اسرائيلية نحو فلسطين، يتم الاتفاق عليها بين القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية. مثل هذا الفرز لن يتمثل في المعتاد من مصافحات في قمم ومؤتمرات وانما سيكون في سيناريوهات يتم اعدادها بكل حذر ودقة بحيث تكون شبه تتويج لتفاهمات جذرية واتفاقات موقعة بالأحرف الأولى انما من دون فقدان حس المفاجأة.
بكلام آخر، ان المقصود من التحرك هو إحداث نقلة نوعية في عملية السلام للشرق الأوسط.
هذه النقلة النوعية تمثل نوعاً من الإبلاغ الى كامل الدول العربية بأن من ليس مع المبادرة العربية الجديدة اليوم فإنه اختار ان يكون مع ايران. والكلام موجه الى عدد من الدول، أبرزها سورية وقطر، علماً ان سورية في تحالف مع ايران، فيما قطر في عداء مع المبادرة السعودية التي تحولت الى مبادرة عربية في قمة بيروت في آذار (مارس) 2002. وتقف السعودية في طليعة المبادرات الجديدة الجريئة، وهي تعمل على أصعدة وملفات عدة، وكذلك مصر والاردن ودول أخرى في الخليج والشرق الأوسط والمغرب العربي.
أثناء منتدى دافوس، وفي إحدى الندوات العلنية للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، كان واضحاً تركيزه على ان المبادرة العربية «منعطف تاريخي» حان وقت تطويره والاستفادة منه ومن الفرصة المتاحة الآن. قال ان «هياكل السلام تبنى» لبنة لبنة وان «هذه حقاً هي الفرصة الأخيرة» لمعالجة المسألة الفلسطينية. وحذر من انه في حال عدم وضع أركان الدولة الفلسطينية في غضون 6 أشهر «سيكون ثمن تضييع الفرصة الاخيرة غالياً جداً». اشار الى «الالتزام القوي» للرئيس الاميركي بحل الدولتين والى احياء الجهود الاميركية وجهود «اللجنة الرباعية» المجتمعة اليوم في واشنطن وتضم الولايات المتحدة والامم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. وقال ان الأوضاع الراهنة المبنية على مواقف الدول وتحالفاتها تجعل ضرورياً جداً معالجة الملفات الساخنة في المنطقة: «فلسطين ولبنان والعراق بهذا التدرج». وقال ان ايران تقحم نفسها «على طاولة المفاوضات، أو طاولة اللامفاوضات عبر حماس». وعليه فإن حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يؤدي الى «إضعاف» ايران وأوراقها.
أيضاً في دافوس، حيث تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جلسات «خاصة» ووافق ان ينقل الكلام عن لسانه، كان واضحاً ان هناك محادثات مع كل من الولايات المتحدة عبر كوندوليزا رايس ومع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت. وزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني ألقت خطابا في دافوس أوحى بأنها اما خارج الحلقة أو انها تريد إحباط ما يجري أو أنها، ببساطة، تستعد لانتخابات تريد ان تدخلها مرشحة لرئاسة الوزراء، أو انها تقول علناً ما من شأنه ان يستوعب وطأة ما تعمل نحوه سراً.
عباس قال: «تحدثنا مع رايس عن العملية السياسية التي يجب بحثها في الوضع النهائي» للاراضي الفلسطينية المحتلة. قال: «يجب ان ننتهي من الحل النهائي ثم نضع خطط التطبيق واحدة واحدة»، بمعنى وضع شبه إطار يحدد الهدف من المفاوضات النهائية مع وضع خطط لمحطات الى هذا الهدف ليست مفتوحة وانما محددة في مواعيد زمنية. وقال انه في اعقاب وضع الإطار جاهز «لقناة خلفية» للمحادثات مع اسرائيل ومع اللجنة الرباعية، كي لا تكون المفاوضات علنية ومحرجة.
رئيس السلطة الفلسطينية واضح جداً في انه لا يطرح اعتزامه الدعوة الى انتخابات رئاسية وتشريعية قريباً كتكتيك وبدعة، وقال ان الانتخابات «ليست من أجل الضغط على حماس، فهذا خيار إذا لم تنجح حكومة الوحدة»، ولكن «عندما نصل الى مأزق أو طريق مسدود، بالطبع سنعلن عن مرسوم خاص حول الانتخابات».
تشير المؤشرات الى ان هذا سيحدث في غضون اسابيع قليلة، ذلك ان الحوارات مع «حماس» لا تبدو مثمرة وان زيارة محمود عباس الى دمشق واجتماعه بزعيم «حماس» خالد مشعل لم يؤديا الى ضخ الثقة في النيات السورية. وحسب عباس: «اقتربنا من ان نقول نعم أو لا، فالقضية لا تحتمل أكثر من اسبوعين أو ثلاثة في أقصى حد، فإذا لم يحدث شيء سنعلن مرسوم الانتخابات التشريعية».
مسألة المفاوضات مع اسرائيل لا تتأثر بأي حكومة في الواجهة، حكومة «حماس» أو حكومة وطنية بديلة، ذلك ان المفاوضات هي، دستورياً، من شأن رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية، وليس الحكومة الفلسطينية، جديدة كانت أو قديمة. ولذلك فإن موعد المفاوضات لا يقبع في ظل تأليف حكومة جديدة.
جزء من الفكرة الأساسية لدى الجانب الفلسطيني لإطلاق عملية سلام جديدة ينطلق من «البدء الآن ببحث مرحلة القضايا النهائية. وعند التطبيق، نطبقها قضية قضية حتى النهاية»، حسب الرئيس الفلسطيني. القضايا هي ذاتها الواردة في خريطة الطريق الى قيام دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل وتضمينها رؤية بوش للدولتين، والمراجع هي الخريطة والرؤية والمبادرة العربية لعام 2002 والقرارات الدولية ذات الصلة وتتضمن الوضع النهائي للدولة الفلسطينية، ومسألة اللاجئين، والقدس، والاتفاقات الأمنية.
شعور الرئيس الفلسطيني هو ان «الأميركيين جادون هذه المرة في العمل على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي» وان كوندوليزا رايس فهمت ووافقت على استبعاد فكرة «الدولة الفلسطينية الموقتة» ليحل مكانها نهج الانطلاق من الخطة النهائية على ان تكون هناك «مراحل في التطبيق» بمواعيد زمنية، فإذا أدت المفاوضات الى نتيجة «نذهب الى استفتاء وطني، فإذا الشعب قبلها، يكون عندنا معاهدة الوضع النهائي».
أحد أهم عناصر الطروحات الجديدة هو استعادة القضية الفلسطينية من المناورات الايرانية والرعاية السورية لطرحها على الشعب الفلسطيني بدلاً من تركها شعاراً وذريعة لتأجيج الصراعات والتطرف. وهذا أمر فائق الاهمية من الضروري للإدارة الأميركية والحكومة الاسرائيلية ان تفهما أهميته وان تساهما فيه، وإلا، فإنهما تكونان، سهواً أو عمداً، شريكتين للتطرف والتأجيج والمناورات الايرانية والرعاية السورية للحركات والفصائل الفلسطينية المعارضة لمبدأ الحل التفاوضي.
الرزمة التي تعدها القيادات العربية الفاعلة والتي هدفها ان تكون عبارة عن «ربح» للجميع بحسب قول أحد هذه القيادات المهمة، تنطوي على «تقديم عرض لاسرائيل لم يسبق ان عُرض عليها في السابق» يتوج «بمبادرة غربية معدلة».
منطقياً، يمكن الاستنتاج ان ما يعرض على اسرائيل هو ضمانات عربية ودولية للاعتراف بها والتعايش معها وابرام شراكة معها حالما تلتزم حقاً بدولة فلسطينية في حدود 1967، بتعديلات طفيفة، وبتطبيق الهدف على مراحل ومواعيد زمنية لاحقة.
وكما قال أحد القيادات الفاعلة، كل شيء جاهز وقابل للتوقيع قبل شهر أيار (مايو) «ما لم يمنعه الغباء».
إذاً، ان نقطة الانطلاق، حسب الأفكار، هي القضية الفلسطينية، ثم يليها المسار اللبناني - الاسرائيلي الذي يتطلب مرونة ومفاجأة اسرائيلية ذات علاقة بمزارع شبعا التي تقع في منطقة عمليات «القوات الدولية لفك الاشتباك بين سورية واسرائيل» انما دمشق تقول انها مزارع لبنانية. هذه المزارع هي الذريعة التي يتمسك بها «حزب الله» لاحتفاظه بميليشياته وتلقي سلاحه وتمويله من ايران على أساس انه المكلف بـ «مقاومة» الاحتلال الاسرائيلي للأراضي اللبنانية وليس الجيش اللبناني. ولذلك تتضمن الفكرة قيام اسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعا لوضعها تحت وصاية دولية الى حين وضوح انتمائها، للبنان أو لسورية.
هذا يضع المسار السوري في آخر قائمة الأولويات عمداً، ولأسباب استراتيجية وتكتيكية وبرسالة واضحة الى دمشق عنوانها: فات زمن امتلاك سورية مفاتيح المسارين الفلسطيني واللبناني من المفاوضات ووضعهما في المقعد الخلفي للمفاوضات السورية - الاسرائيلية. أي، ان ضم المسار السوري الى العملية الجديدة الآن من شأنه ان يضع العصا في دولاب العملية بينما تحقيق الانجاز والاختراق على المسارين الفلسطيني واللبناني قد يؤديا بالقيادة السورية الى تصحيح فكرتها بأنها تمتلك الأوراق الفلسطينية واللبنانية.
بالطبع، هناك ادراك لقدرات التخريب على العملية الجديدة للسلام في الشرق الأوسط، التي يمكن أن تأتي من دول مثل سورية وايران، أو عبر منظمات وحركات مثل «حماس» و «حزب الله». إنما الشعور لدى الكثيرين هو أن هذا المعسكر ضعيف الآن برغم زعمه القوة والانتصار.
سورية لا توافق، بل انها تدخل حرب المحاور بفكرة قيام «محور ثلاثي»، حسب مطلعين على هذا العرض الى بغداد، يضم ايران وسورية والعراق، يكون عبارة عن «انشاء نظام جديد في منطقة اقتصادية»، وهذا جزء من اقبالها على العراق لفتح صفحة جديدة في العلاقات والتعاون.
البعض في الحكومة العراقية يخوّف الدول العربية من امكانية اقامة مثل هذا المحور وكأنه يقول: لا تدفعونا الى ذلك. لكن واقع الأمر هو ان ايران خائفة وسورية قلقة جداً. خوف ايران الأكبر هو من انسحاب اميركي من العراق يتركها الوريث الوحيد للحروب الطائفية فيه ومواجهات الميليشيات. لذلك، ان ضغوط الحزب الديموقراطي الأميركي مفيدة جداً اذ انها تطالب بانسحاب أكيد وقريب للقوات الأميركية وتوضح لطهران أن القوات الأميركية لن تحارب نيابة عنها في العراق بل ستتركه لها مكسوراً كما هو ان لم تستدرك وتغيّر سياساتها جذرياً .
عن الحياة