الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد ومصادرة الحقوق ليست نزهة ولا يجوز ان يتوقع مفجروها انها سوف تؤتي اكلها مجرد اطلاق صرخات هنا وهناك مع ان الوصول الى ما تريده الشعوب من حكامها ليس بالامر الصعب ولا هو عسير لدرجة ان هؤلاء الحكام يرفضون تنفيذه خوفا على مصالح الاوطان التي يحكمونها بل هي خوف على مكاسبهم ومناصبهم وحرصا على البقاء في المواقع لسنوات طويلة.
لكن الوصول الى النهايات السعيدة التي تريدها الشعوب وضرورة التغيير ليس ترفا بل هو استحقاق وضرورة لا بد من الوصول اليها اجلا ام عاجلا ويخطىء الحاكم او المسؤول ان اعتقد ان القتل والدمار وسفك الدماء وانتهاك الاعراض ومصادرة المصالح سوف تؤدي جميعها الى كسر ارادة الشعوب لان هذه الشعوب ما ان قررت ان تخرج الى الشارع وان تتظاهر وان تصرخ مطالبة بحقوقها فانها بذلك تكون قد خرجت عن السيطرة وابتعدت عن النمطية واخذت قرارها ان لا عودة الى الوراء فما كان قبل الشرارة الاولى ليس كما هو بعدها والزعيم الذكي هو الزعيم الذي يتعاطى مع مطالبات الشارع ويتجاوب مع ارادات ابناء شعبه، لا ان يستدعي الماضي من اعلام وركاكة تعبير وقلة حيلة واخراج سيء ليقنع نفسه والناس انه يستطيع ان يحرك وان يبطش عندها تتهيأ له كل انواع الغطرسة فيقتل ويسفك الدماء ويجرجر الناس في الشوارع ويسحل جثثهم كأنهم قرابين لا قيمة لها.
وليكن الاردن مثالنا على التعامل الحضاري مع المسيرات التي سبقت حتى الربيع العربي وحرق المرحوم الرمز بوعزيزي في تونس ومع هذا لم يقتل احد ولم تخرج الامور عن السيطرة من الطرفين المحتجين والجهات الاخرى التي تتعامل معهم من كل النواحي مع التأكيد على المعرفة التامة بما يقع مع الناس والافراد ولكن كل ذلك يهون مقابل ما تريده الجماهير والتي تستجيب له القيادة وتتفاعل معه اولا بأول بعيدا عن الاتهامية او النكوص او الاختباء وراء تفسيرات لم تعد تقنع احدا.
ان مواجهة المشكلة او الازمة والتعامل معها بعقلانية اولا بأول بعيدا عن التحريض من جهات تريد ان يكون لها دور في مثل هكذا ظروف هو اقوى من «تطنيش» الناس بل ان تجاوب جلالة الملك عبدالله الثاني مع كثير من الدعوات التي اطلقها المشاركون في المسيرات ابتداء من التعديلات الدستورية وليس انتهاء بأي رد على اي مطلب اجتماعي اقتصادي من اي مواطن في اقصى الجنوب او اقصى الشمال يجعل من التواصل الملكي بين الشعب وقيادته بقنواته السهلة البسيطة صمام امان للجميع اضافة الى ان الابواب المفتوحة بين كل مكونات الشعب الاردني والسلطات المختلفة يخفف من حدة الاحتقان ويقود الى نزع فتيل اي أزمة صغيرة كانت ام كبيرة.
المطلوب عدم الاستهانة بالاشياء وعدم خلق خصومات بل محاولة تنفيس اي احتقان ولا بد ان تأخذ الشخصيات الوطنية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وحتى مؤسسات المجتمع المدني دورها في التعامل الايجابي مع القضايا المطلبية وان «تتفضل» وتأخذ دورها وان تحمل جانبا ولو بسيطا من الحمل الذي ما ان يتفجر لن يكونوا هم بمنأى منه.
لا يجوز توزيع الاتهامات والتصنيف العبثي الذي لا يقود الا الى مزيد من الفرقة وحقن النفوس بازمات يمكن التخفيف منها لو سلمت النوايا فالاصلاح مطلب الجميع وهو الذي سيستفيد منه الجميع وبالتالي فان الجميع مطالبون بتحمل مسؤولياتهم كل قدر استطاعته.
hamdan_alhaj@yahoo.com
(الدستور)