الأردن يتلمس «نافذة أمل» لإطلاق قطار السلام مجدداً
رنا الصباغ
02-02-2007 02:00 AM
سيناريو متفائل في ضوء «قناعات اميركية جديدة» ... الأردن يتلمس «نافذة أمل» لإطلاق قطار السلام مجدداً يحذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في لقاءاته هذه الأيام من ضياع «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ المنطقة من أزمات كبرى تنتظرها. ويشير الى نافذة متبقية لإطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبأسرع وقت ممكن لأن المنطقة، بحسب رأيه، تشهد «فرصة نادرة» لإحلال السلام عبر إحداث تغيير في النزاع المصيري ومنبع الصراعات المتأججة من أفغانستان وحتى العراق.
بحسب مقربين من صانع القرار، يرى العاهل الأردني فرصة سانحة خلال فسحة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر قبل ان تبدأ التحضيرات لمعركة الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2008 والتي تتخللها عادة مساومات وضغوط. وتأمل عمان بأن يسفر اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في واشنطن اليوم وغداً الى حراك سياسي لتسريع قيام دولة فلسطينية، ربما في موعد أقصاه عام 2008. وقد يعقب لقاء اليوم لقاء برعاية أميركية، بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، في واشنطن، أو في عاصمة عربية، لإطلاق مفاوضات حول أجندة الوضع النهائي بما فيها قضايا الحدود واللاجئين ومستقبل القدس وهي القضايا الشائكة التي عطّلت جهود السلام منذ اتفاقية أوسلو عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل ومنعت اتفاقات الحكم الذاتي من الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول العام 1999 بسبب تلكؤ واشنطن، ورعونة تل أبيب وتخبط الفلسطينيين.
وعلى وقع الحراك المأمول، تلتئم القمة العربية في الرياض أواخر آذار (مارس)، لتعيد إحياء «مبادرة بيروت» لعام 2002 مع بعض التغيير والتحديث، بهدف إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية كافة مقابل حصول إسرائيل على ضمانات أمنية والحق في العيش بسلام في الشرق الاوسط.
وفي هذه الأثناء يدعو عباس لاجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حزيران (يوليو) أو تموز (يونيو) المقبلين بعد ان يكون الفلسطينيون قد استنفذوا الجهود المحلية والعربية والاجنبية لقيام حكومة وحدة وطنية بين حركتي «فتح» و «حماس» بالتزامن مع تطبيق استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية ينفذها عباس حالياً لتعزيز فرص فوز «فتح» والقوى المؤيدة لاستئناف عملية السلام.
هذا جزء من سيناريو استراتيجية تحريك السلام الذي تراهن عليه المملكة المحاصرة بين فلسطين والعراق ولبنان في وقت تزداد فيه التحديات الاقتصادية في بلد نصف سكانه على الأقل من أصول فلسطينية ولم يحسموا بعد أمر هويتهم الوطنية بانتظار بدايات الحل النهائي غرباً.
يواجه إصرار الملك على اغتنام فرصة السلام الأخيرة جوقة متنامية من الأصوات المشكّكة التي تعتبر أن الأردن يراهن على حصان خاسر في زمن اتسعت فيه قاعدة المتشائمين بين مواطنيه وفي سائر العالم العربي والاوروبي لا سيما وأن المعطيات السياسية على أرض الواقع تزداد صعوبة وتعقيداً يوماً بعد يوم. ما يجعل آفاق العملية السلمية مقفلة أكثر من أي وقت مضى، بحسب مسؤولين وديبلوماسيين عرباً.
على الأرض، لا شريك فلسطينياً للتفاوض معه، وهي الحجّة التي تستخدمها إسرائيل دائماً للهروب من استحقاقات السلام، والخلافات بين حركة «فتح» و «حماس» حول تشكيل حكومة وحدة وطنية وصلت إلى طريق مسدود. الحرب الاهلية بدأت، وحالات الفقر والجوع والتخلف وصلت الى مستويات حادة.
ليس لدى أصحاب الشأن الاردني ثقة، في جدية سعي حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لقيام دولة فلسطينية مستقلة. فأولمرت، المتهاوي سياسياً، لم يقدم حتى الآن أي إشارة تدل على انه مستعد للقيام بذلك. إسرائيل غارقة في فضائح فساد وتحرش جنسي بعد أن خسرت حرب لبنان فيما أحزابها منقسمة ومتناحرة. مستقبل اولمرت وحزب «كاديما» على كف عفريت، ما يحد من قدرة بوش وحلفائه الأوروبيين على اتخاذ أي خطوة مهمة في الموضوع الفلسطيني.
والأهم أن بوش يواجه مأزق التعامل مع تدهور شعبيته بسبب الأوضاع في العراق وفي مواجهة كونغرس جديد يسيطر عليه الديموقراطيون برئاسة نانسي بلوسي. وهنالك مخاوف حقيقية لدى النخبة السياسية العربية والأوروبية من أن واشنطن لن تكون قادرة على التدخل بإيجابية في المسار الفلسطيني - الإسرائيلي واتخاذ موقف حاسم وصلب لإجبار إسرائيل على التعامل مع ضرورة التوصل إلى حل سلمي.
على رغم من مخاوف اردنية واقعية لا تستبعد الفشل، تصر المملكة على دعم جهود «الفرصة الأخيرة»، ودعم مسعى وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لجمع الطرفين حول أفكار آخذة في التبلور لدى فريق محدود من أعضاء إدارة بوش ممن لم يفقدوا بعد كل الرؤية الاستراتيجية لبلدهم وما زالوا يتذكرون الملف الفلسطيني وسط هموم ثقيلة تحملها إدارة تبدو قد فشلت في العراق وأفغانستان وايران. -->
وبحسب ساسة وديبلوماسيين التقاهم الملك مؤخراً فإن بين العوامل المهمة التي تدفع عمان الى الاصرار على بدء محادثات سلام واضحة المعالم تجعل من الاميركيين عامل ضغط مؤثر على اسرائيل التطورات التالية:
- تراجع شعبية محور التشدد بقيادة ايران، بعد ان وجّه حزب الله ضغوطه صوب الداخل اللبناني 60 يوماً، اضافة الى عملية التجاذب الداخلي في ايران بين المتشددين والاصلاحيين التي ظهرت معالمها خلال الانتخابات البلدية الاخيرة. وفي الجامعات وسعي إيران للهيمنة على العالم العربي وعلى توسيع أجندة التشيّع السياسي.
- وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثبتت خلال الأشهر الماضية أنها أكثر تفهماً لضرورة قيام دولة فلسطينية، وحل النزاع، وهي الآن من بين المقربين لبوش والقادرين على التكلم معه بصراحة بعد إقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وتهميش دور أعوانه من المتشددين، إضافة الى قيام بوش بسلسلة من التعيينات السياسية والعسكرية بعد فشل خطة العراق. هذا الفشل قد يدفع رئيس إدارة منهكة للبحث عن تحقيق نصر في الشرق الأوسط قبل ان يغادر إلى كتب التاريخ.
- أكثر من عاصمة عربية تعمل على خط تحريك الملف، وإن كانت الديبلوماسية الأردنية الأكثر نشاطاً والأقل كلاماً، بحسب قراءة الديبلوماسيين الغربيين في عمان. فعمّان، بعكس غيرها من العواصم العربية، مصرّة على عدم الإعلان عن المشاورات المكثفة التي تجريها مع واشنطن بصورة شبه يومية، أقله لعدم اثارة الحساسيات الاقليمية. والسرية تحيط اتصالات مستمرة بين الملك ورايس وبوش وغيرهما، فيما ساهمت رحلات مكّوكية لمسؤولين أردنيين الى واشنطن في إستمالة بوش ورايس إلى ضرورة تعاون الادارة الاميركية في موضوع السلام في مقابل كسب دعم دول الاعتدال العربي لإنجاح استراتيجية بوش في العراق.
- استطاعت دول الاعتدال العربي خلال الأشهر الماضية بلورة خطاب سياسي مشترك أمام الإدارة الاميركية يوازن بين ملفي فلسطين والعراق. وبعد أن وصل الوضع العربي إلى أدنى درجة من الضعف والانهيار. استعادت السعودية دورها الإقليمي وسط قلق عربي من تنامي نفوذ إيران في الإقليم وإمساكها بزمام الحل في ثلاثة ملفات عالقة في العراق وفلسطين ولبنان، الأمر الذي ساعد في إيجاد «وحدة موقف» على الأقل بين ما يسمى بـ «دول الاعتدال»، للمرة الأولى منذ سنوات.
- نتائج جولة رايس الأخيرة في المنطقة ولقاؤها كلاً من العاهل السعودي الملك عبدالله ونظيره الأردني والرئيس المصري حسني مبارك وهي نتائج مشجعة جداً من وجهة نظر الرياض وعمان والقاهرة. وما قالته في الغرف المغلقة عن إصرارها على إيجاد قواسم مشتركة بين أولمرت وعباس حول قضايا الحل النهائي، وقيام دولة فلسطينية خلال مدة محددة يولد انطباعات بأن واشنطن جادة هذه المرة.
- إعادة تنشيط دور اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط.
- فشل محاولات عباس التوفيقية خصوصاً بعد لقائه الاخير مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في دمشق، تقوّي من موقفه في الشارع وتعطيه مبرراً في السعي للوصول إلى نتيجة تتمثل في إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حزيران المقبل والخروج من الطريق المسدود.
- الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاق النيابي - برأي المصادر السياسية العربية - تعطي فرصة لعباس لتنظيم صفوف الحركة المأزومة قبل الانتخابات. وبالتزامن مع ذلك يجري العمل على قدم وساق لترتيب التزامات قطعها الرئيس الفلسطيني أمام شركائه العرب من «دول الاعتدال»، وأمام المجتمع الدولي لتنفيذ إصلاحات أمنية واقتصادية وسياسية تؤسس لبناء دولة جديدة.
في ظل هذه المعادلات يبقى الأردن معنياً بإحياء مبادرة سلام تحقق قيام دولة فلسطينية لأنه يظل الطرف الأكثر تضرراً من غياب السلام. ولا بد من التحرك لاستثمار كل هذه المتغيرات على أمل إحراز تقدّم هذا العام. وفي غياب المحاولات الجادة ستتمدد مستعمرات إسرائيل وتأتي ادارة جديدة في واشنطن لن تغادر قبل عام 2012.
ألسنة اللهب تتطاير على حدود المملكة من الشرق والغرب والأردن كالفلسطينيين لا يمتلك ترف الانتظار.
عن "الحياة " اللندنية