أحداث المفرق مثّلت منحى خطيرا في المسار السياسي الأردني, لكنها لا تدل على أزمة نظام فحسب, بل على ازمة مجتمع بأكمله.
من الضروري إدانة العنف, كائنا من ارتكبه, لكن الاهم من ادانة العنف, الذي تمثل في إحراق مركز الاخوان المسلمين في المفرق ,هو تحليل ما حدث بعيدا عن لغة التحريض والعنصرية, ومحاولة فهم ان لم يكن تفهم الدلالات الخطيرة للواقعة المؤلمة والمعبّرة عن تفكك مجتمعي ينذر بويلات قادمة, ان لم يتم التعامل معه بحكمة ومسؤولية من قبل جميع الاطراف المعنية.
المسؤولية الاكبر تقع على كاهل الدولة, وليس قِصرا على الحكومة, وان كان يجب ان تتحمل مسؤولياتها او ترحل, لكن سلسلة العنف المجتمعي, بما في ذلك دور اجهزة الامن في بعض منها, يدل على ضعف وحتى غياب الدولة, وتنذر بتهاوي مؤسساتها.
مسؤولية الدولة لا تتمثل فقط في فقدانها هيبتها وفشلها في تحقيق الامن والامان المجتمعي, بل في دور بعض مؤسساتها في حملات تحريض وتحشيد لمكونات المجتمع والحركة السياسية ضد بعضها بعضا, مما قلص مساحة الحوار والاختلاف السلمي, وعمّق المخاوف المتبادلة من ان يؤدي فشل عملية الاصلاح, وحتى نجاحها, الى تغليب مصالح فئة ضد اخرى.
ليس سرا انه ومنذ احداث 25 آذار بالاخص, كانت هناك عملية تحريض رسمية ضد الحركة السياسية المعارضة, وبالاخص حركة الاخوان المسلمين وتصويرها كممثلة لبعض المكون الاردني , لاشاعة الشكوك بين الاردنيين وتخويفهم من "خطر" يتهدد مصالحهم وحصتهم في الدولة.
لكن ذلك التحشيد لم يكن لينجح لو لم يكن هناك شعور بالغبن والخوف لدى الكثير من ابناء العشائر, خاصة في المحافظات, والاحساس بالتهميش جراء الاجراءات والسياسات الاقتصادية, لكن جرى وبالقصد استغلال هذا الاحساس بالظلم وتحويله الى مادة تحريضية ضد مكونات المجتمع الاخرى.
إن الاعتراف, وتفهم مشاعر الغبن هذه ضروري لانجاح اي حوار سياسي ووطني او حتى محاولة تهدئة التوتر المتنامي الذي يمنع الاطراف جميعها من سماع بعضها بعضا في غمرة ضجيج التحريض المتصاعد وضوضاء الإهانات المسيئة والتهديدات المرفوضة.
المطلوب منا نقاش هادئ لأسباب تخوف مكونات عشائرية من الاخوان المسلمين, من دون إغفال الدور المؤسسي التحريضي في خلق هذه الازمة, مع التأكيد على أن حركة الاخوان المسلمين هي جزء من الخارطة السياسية الاردنية والمجتمع الاردني سواء اتفقنا او لم نتفق معها, على ان تتحمل جميع الاطراف مسؤوليتها بجدية في رفض منطق التحريض والتحشيد واستعداء واقصاء "الآخر".
من جهتها فان قيادة الاخوان المسلمين تتحمل جزءا من مسؤولية تهدئة الوضع, وذلك باحترام جميع اطراف الحراك السياسي, وعدم الاستقواء بانتصارات الحركة الاسلامية في المنطقة.
فحتى لو نجحت الحركة الاسلامية في انتخابات اردنية قادمة, تتوفر فيها شروط النزاهة والحرية, فان على الحركة تذكر أنها ليست وحدها في الساحة وعليها السعي الى التوافق مع جميع اطياف المجتمع. فلن يُفيدها نجاحات الحركة الاسلامية في المنطقة ان لم تحتذ بنماذج الوفاق وتبتعد عن الاستقواء والإقصاء.
على الحركة الاسلامية, وعلينا جميعا, التوقف عند مخاوف بعض ابناء العشائر دون الرضوخ الى منطق العصبوية العنصرية أوالعنف , فتخوف بعض ابناء العشائر من ان يأخذ تنظيم الاخوان جزءا من "حصتهم" في المقاعد النيابية في مناطقهم, مسألة معقدة, تعكس الخوف من التهميش والحرمان من توزيع عادل للثروات والخدمات, وفي الوقت نفسه يعكس خلطا شائعا بين مفهومي الحقوق المدنية والمحاصصة, لكن الاهم أنه يجسد فشلا ذريعا للدولة في كسب ثقة الفئات الشعبية في قدرتها على الحفاظ على حقوق مواطنيها.
المهم ان الازمة, في جزء مهم منها, هي تجليات لغياب العدالة الاجتماعية, تتخذ طابعا عنيفا احيانا في غياب أفق لتحولات اصلاحية جذرية تؤدي الى قيام نظام مؤسسات يضمن الحد الادنى من العدالة لمواطنيه, فتنقلب المكونات المجتمعية ضد بعضها بعضا .
أخيرا, فان صح ما قاله وزير الاعلام بأن هناك مراكز قوى سعت ونجحت في تأزيم الوضع في المفرق, فان ذلك يعني ان هذه الجهات تحاول منع التغيير خوفا على نفوذها, وذلك من خلال اذكاء الفتنة وإشعال النيران غير آبهة بتفكيك مجتمع او بدمار وطن.
للأسف, لقد بدأت شعلة الدمار, والدولة غائبة, والحكومة مغيّبة, فمن المسؤول عن دفع الوضع المتدهور الى الهاوية?.
(العرب اليوم)