فيديو باب التبانة الذي كان أسخف من كذبة صبيانية، ثم كذبة الأمس والبيان الذي نسبوه إلى الإخوان المسلمين بعد تفجيرات دمشق، يثبتان أن المجموعة الحاكمة في سوريا قد فقدت أخيرا قدرتها على الكذب، وهي التي أشغلت الدنيا أربعين عاما كذبا وتدليسا ودجلا.
والسؤال يقول: هل بات كذب هؤلاء مكشوفا إلى هذا الحد لأنهم يترنحون تحت هول الضربات الساحقة التي يوجهها إليهم شعب يصر على الحرية إصراره على الحياة، ويقدم ثمنا لها خيرة أبنائه وزهرة شبابه؟ أم أنهم مكشوفون لأنهم كائنات منقرضة تنتمي إلى عصر آخر، وترى الدنيا بغير العين التي يرى بها البشر الطبيعيون؟
ربما يكون الجواب في الاحتمالين، فثورة سوريا بفدائها وقوتها وإصرارها، وانبعاث الروح الإنسانية منها شفافة طاهرة، قد أفقدت هذا النظام شرعيته مع أول قطرة دم، وعرّت وجهه البغيض الذي استتر سنوات طويلة وراء شعارات زائفة وزخارف من القول، وجلبت له مقت الدنيا كلها ما عدا ثلة من الأشباه والنظائر، وحاصرته في ضيق من المكان وشح من الخيارات، فسقط إنسانيا وفـُضح أخلاقيا، وما أغنى عنه شيئا عساكره المدججون وشبيحته المتربصون.
المعركة التي يخوضها أبناء سوريا وأبطال الشام وحمص ودرعا وأدلب معركة بين روح تمارس الخلود، ورصاص يمارس الأذى، بين حق تهمس به منذ الأزل السنن الكونية، وباطل تنفس في غفلة من الزمان. معركة أكبر من أن تقودها مؤامرة أو تـُعزى إلى خونة، معركة ينتصر فيها الشروق والجداول وفوح الياسمين، ويخسرها الأبالسة وإن أُمهلوا إلى حين.
الأبالسة يحاربون الله ويعاندون الزمن، فيصبحون عالة على الزمن وديناصورات منقرضة جاءت من كهوف الكراسات، فاختصرت العالم في جملة قالها زنديق ذات سكرة. نعم إن العالم عندهم فكرة مغلقة على نفسها، وشعار عاجز عن شرح مضمونه، وأقوال لا تحتمل النقاش أو التفكيك. هكذا تكون أول مدارجهم على طريق بعثهم، وما بعثهم في حقيقته إلا قبر كبير تزهر فيه البارانويا ويسوده الارتياب وتتضخم فيد الذوات المريضة، وتجد نظرية المؤامرة لها فيه مناخا صالحا، فيدمرون الإنسان كخطوة استباقية، لأن كل إنسان عندهم مؤامرة أو مشروع مؤامرة، وكل عقل عدو وكل فكرة خطر.
البارانويا هذه، توجه المؤامرة نحوهم فهم مركز العالم وكراساتهم كتابه المقدس، وهنا بيت القصيد الذي يجعل بقاءهم مقدما على بقاء الأوطان، ويفاقم المسافة بين أفعالهم وأقوالهم، وشعاراتهم وسياساتهم، ومقدماتهم ونتائجهم المخزية. إن المؤامرة موجودة في كل بيت وتحت كل حائط، وأماما وخلفا وفوقا وتحتا. المؤامرة تستهدفهم لأنهم حراس الفكرة وخدام الشعار، فلا ضير إن ضاعت الأوطان مقابل بقائهم (ألم يقولوا هذا بعد هزيمة حزيران؟) ولا بأس إن مضت قرون وقرون ما داموا باقين يحملون نفس الشعارات ويصرون على قولها كل يوم.
هم في مجملهم خديعة كبرى، والحديث عنهم يطول، والخديعة تلم حولهم مؤيدون كثيرون. وللمؤيدين المخدوعين نقول: لقد علمتنا مأساة سوريا وأنهار الدماء وتلال الجماجم أن الخديعة لا تُذهب العقل فقط، بل إنها تذهب معه المروءة والشهامة....
Samhm111@hotmail.com