سـلام على المسيح في عيد ميلاده ..
محمد حسن التل
25-12-2011 02:23 AM
في هذا الصباح الجميل؛ صباح عيد ميلاد المسيح؛ رسول المحبة والسلام من رب العباد لعباده، عيسى ابن مريم، نبي الله، ونفحة من روحه العظيمة، ألقاها إلى أعظم نساء العالمين، وسيدة نساء الجنة، مريم ابنة عمران، ليكون معجزة الله على الأرض، يحيي الموتى ويبرئ الأبرص ويشفي الأعمى بإذن الله، وقبل ذلك كله يدعو إلى الإيمان والسلام والمحبة كما يريد الله تعالى.
ونحن كمسلمين جَعلت عقيدتُنا إيماننا بالمسيح عليه السلام؛ جزءاً أساسياً من ايماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومن يكفر بعيسى يكفر بمحمد سلام الله عليهما.
وجدتُ من المناسب في هذا اليوم العظيم يوم عيد ميلاد سيدنا ونبينا عيسى عليه السلام أن أتحدث عن العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين عبر العصور الضاربة جذورها في التاريخ، فهذه العلاقة لم تبدأ بقصة الراهب بحيرى فحسب؛ بل بدأت عندما بشّر عيسى عليه السلام بقدوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعثهِ رسولاً للبشرية كافة (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).
وبنظرة متفحصة للعلاقة الإسلامية المسيحية يدرك الواحد منا- تماماً- أن هذه العلاقات على اختلاف أنواعها متشابكة الى حد لا يمكن تفكيكها، او الولوج الى اساسها، فهي مبنية على الاقتناع التام بمفهوم المصير المشترك والدرب الواحد، وان المراجعة السريعة لطلائع بدايات الدعوة الاسلامية، تشير الى نماذج راقية؛ من التعاطف والتعاون ومن الثقة والاحترام، والاعتراف المتبادل بين النصارى والمسلمين، فأول اشارة يذكرها التاريخ للمهمة العظيمة التي كانت تنتظر سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» جاءت من الراهب بحيرى، حيث اكدت حرص المسيحية واهتمامها ورعايتها لصاحب الدعوة، والقصة معروفة للجميع، وهي تفرض على الجميع - مسلمين ونصارى - ان يقفوا عندها طويلا؛ لان بطلها رجل نصراني، بل راهب انتهت اليه خلاصة النصرانية، وهو في هذا الموقف، ارسى الوشيجة الاولى، التي قامت عليها العلاقات الوثيقة، التي تأسست على الحب والتعاون بين المسلمين والنصارى، عبر العصور.
كذلك قصة الهجرة الى الحبشة، وهي الهجرة الاولى في الاسلام، الى ارض النجاشي، الملك المسيحي، حيث امر رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، اصحابه بالهجرة اليها قائلا: «لو خرجتم الى ارض الحبشة، فان بها ملكا لا يظلم عنده احد»، ووصف الحبشة - وهي ارض مسيحية - بأنها ارض صدق، وهذه اشارة اخرى لقوة الوشائج بين الطرفين، والاحترام المتبادل بين الديانتين، والاشارات في التاريخ كثيرة على قوة العلاقة بين المسلمين والنصارى، كأصحاب رسالتين سماويتين، واصحاب مصير مشترك، يعيشون على ارض واحدة، ويبنون حضارة واحدة، قال تعالى: «لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا». ولم يذكر القرآن الكريم امرأة باسمها وبالنص الصريح، الا السيدة مريم، وهذا تكريم لها وللنصرانية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فكما قلنا، لم يعرف تاريخ الديانات مثل العلاقات الاجتماعية التي قامت بين المسلمين والنصارى، على امتداد العالم الاسلامي. ان ما بين ابناء الحضارة العربية الاسلامية، من مسلمين ومسيحيين على امتداد التاريخ، من التعاون وحسن الجوار والاحترام المتبادل والشراكة الفعلية في البناء الوطني، لا مثيل له، وان الاحداث الشاذة التي ظهرت في بعض فترات التاريخ بين الطرفين، جاءت نتيجة الانحسار الايماني لدى بعض المسلمين والنصارى، وكانت نتيجة لتوجيهات وتدخلات اجنبية، لا تريد خيرا بالمسلمين والنصارى على السواء، ولم يكن الغرب الذي اساء الى النصرانية، ببعيد عن هذا التدبير الظلامي، في محاولات منه لم تنته منذ قرون، وان اتخذت وجوهاً مختلفة على رأسها، حجة الدفاع عن المسيحيين في الشرق، ولا ينسى منصف للتاريخ، فظاعة الظلم للديانة المسيحية واهلها، وما حدث في روما نيرون،ماهو الا صورة عن تلك الفظاعات؛ التي مورست في الغرب ضد النصرانية.
لقد تبنى الاستعمار الغربي بأدواته المختلفة وعلى رأسها الصهيونية، اثارة الطائفية في الشرق، وزرع بذور الفتن والخلافات بين المسلمين والنصارى - وما زال - تماشيا مع القاعدة التي تقول: «فَرّقْ تَسُدْ».
اننا كمسلمين نعتبر اي دعوة تحاول ان تنال من الاسلام او المسيحية، هي دعوة مشبوهة تدين اصحابها، وتؤشر عليهم بالاتهام.
وفي هذا المقام، أتذكر قول امين نخلة، الذي اشار بقوة الى تلاحم الاسلام والنصرانية، واكد ما قاله النجاشي ان الفكرين يخرجان من مشكاة واحدة «في هوى محمد تتلاقى ملتا العرب، ملة القرآن وملة الانجيل فكأنما الاسلام اسلامان؛ اسلام بالدين واسلام بالقومية». فهل يعي هذا القول من غرّتهم صهيونية الغرب الموغلة بدماء ابناء امتنا واهانة مقدساتها، دون تفريق بين مسلم ومسيحي، وهي التي تحاول -الان- العبث في وحدة امتنا، بجناحيها المسلمين والنصارى.
اليوم في عيد ميلاد المسيح نقول: لا بد للمسلمين والمسيحيين على الأرض العربية من أن يتماسكوا ويتحدوا أكثر لمواجهة المؤامرات التي تستهدفهم جميعاً ولا تفرق بين أحد منهم.
في عيد ميلاد نبي المحبة والسلام سيدنا المسيح ابن مريم الطاهرة عليهما السلام نهتف:
سلام على الاقصى... سلام على المهد... سلام على القيامة.
(الدستور)