جميل ان تتبارى الامبراطوريات الاستعمارية في تذكير احداها الاخرى بجرائمها في حق الشعوب. فرنسا تجرم تركيا بمجازر الارمن, وتركيا تجرم فرنسا بمجازر الجزائر, وكلاهما صادق. والغريب ان ذلك ياتي في حين تعيش كل منهما نوستالجيا التدخل العسكري للعودة الى عالم عربي تعاقبتا على استعماره, حين هزمت احداهما في اطار حلف المحور وانتصرت الثانية في اطار محور الحلفاء. لتصبحا بعدها شريكتين في حلف الاطلسي.
اما نحن, موضوع المطامح وموضوع النوستالجيا, فكرة تتقاذفها حراب المحاور والاحلاف, الامبراطوريات ودول الاحتلال, مرة نكون ارثا لرجل مريض ومرة نكون رجلا مريضا يريد الغرباء تقاسم ارثه.
ساركوزي وعد الارمن في يرفان قبل سنة بتجريم انكار واقع الابادة الجماعية التي تعرضوا لها على يد الاتراك, وربما كان له ان ينام على ذلك الوعد, الا ان ظروفا داخلية وخارجية فرضت عليه النهوض من النوم قلقا.
داخليا, اليسار يحصد حتى مجلس الشيوخ المصنف تاريخيا يمينا, واستطلاعات الرأي تصف مرشحه فرانسوا هولاند بانه الاقرب الى الفرنسيين. هذا في حين ان صفوف اليمين تتشقق لتبعثر حظوظ الرئيس في انتخابات الرئاسة المقبلة. دومينيك دو فيللوبان العدو اللدود الذي احدث انشقاقا في حزب الاتحاد لاجل حركة شعبية, يعلن ترشيحه مرفقا باعلان عداء صريح لساركوزي, وبورلو زعيم يمين الوسط يتقدم في استطلاعات الراي, فيما يبرز مرشح ثالث يحظى باحترام مجمل اليمين. اما مارين لوبان فتعيد تنظيم صفوف اقصى اليمين بشكل يعقد قدرة ساركوزي على اجتذاب اصوات منه كما حصل في الانتخابات السابقة. اذن فالرئيس بحاجة الى كل استنفار كل مراكز القوى التي قد تدعمه, ومنها اللوبي الارمني.
اما في الخارج, فايران تزور ارمينيا ويخرج الطرفان ببيان مشترك يدعوان فيه الى معالجة الملف النووي الايراني بالتفاوض والوسائل السلمية. تقارب لا يمكن الا وان يقلق فرنسا ويستدعي منها تحركا سريعا وفعالا.
رد الفعل التركي يأتي موتورا, لانه اذ يختار من جرائم فرنسا الاستعمارية ما يمكن ان يلعب به على مشاعر العرب, اي ثورة الجزائر المجيدة, ويقول لساركوزي ان يسأل اباه عن ذلك, فانه ينسى ان عليه هو ان يسأل اباه ليعرف ان تركيا امتنعت عن التصويت لصالح الثورة الجزائرية في مجلس الامن في الستينات. اما اذا ما عاد الى جده, الذي ربما يكون قد خدم في الجيش ايام سفر برلك - كما ابو ساركوزي في الجزائر - فانه سيقع على قائمة سوداء من المشانق الى المجاعات الى الاستعباد والتجنيد القسري.
داود اوغلو يمضي ابعد, ويقول ان الادارة الفرنسية لا تختلف عن القذافي وبن علي والاسد, وان تركيا ستعلن عن جرائم فرنسا بصوت عال حتى في الاماكن التي تحظر ذلك, حسب تعبيره -. لكنه في نهاية الامر, ورغم كل هذا الغضب, سيلتقي مع الان جوبيه في تنظيم تدخل اجنب¯ي في سورية, اذا ما حسمت واشنطن امرها في ذلك, وسيلتقيان معا, ايضا, اذا ما تحقق تهديد وزير الخارجية القطري بان دور الجزائر قادم. لكنهم¯ا, وذاك امر ما في المسألة لن يعدما من يدافع عنهما, ويستجدي تدخلهما ويبرره.0
(العرب اليوم)