ليس دفاعا عن سميح المعايطة!!!
24-12-2011 03:53 AM
تدخل الحكومة بفجاجة للإطاحة برئيس تحرير كبرى الصحف الأردنية الزميل سميح المعايطة بعد أربعة أشهر على اختياره على يد حكومة د. معروف البخيت، يشكل كبوة جديدة تكشف غياب المؤسسية والاستدامة في إدارة أذرع الدولة. وهو إجراء غير مقبول في عهد الإصلاح ومحاولات إعادة هيبة الدولة المغتصبة.
فهذا القرار يشكل انتهاكا لحرية الاعلام وتدخلا في شؤون السلطة الرابعة، ذلك أنه يتناقض مع القيم والسمات الشخصية لرئيس الوزراء عون الخصاونة، القاضي الأممي المعزز بسجل النزاهة والعدل والترفع عن اجراء مثل هذا ، بعد عقد على العمل خارج الاردن بعيدا عن صراع رجالات الدولة و ساستها. ويأتي هذا الإجراء المفاجئ ليشكك في الانطباع الأولي بأن الرئيس الجديد لن ينزلق إلى دهاليز صراع المصالح والإرادات.
غير معقول.. لأن هكذا تدخل مباشر في شؤون مؤسسة إعلامية عريقة والقفز عن ولاية مجلس إدارتها يتعارض بشدة مع أهداف حقبة جديدة بشرنا بها الخصاونة، الذي يحرص باستمرار على منع أي كان من التدخل في الولاية العامة للحكومة تماشيا مع مبدأ فصل السلطات.
وغير موفق لأنه يعكس مزاجية عالية في الشخصنة المتعلقة بالتعيينات والإقالات على اسس محددة بعيدا ربما عن معايير الكفاءة والشفافية، ليس فقط في مناصب حكومية وداخل مجلس الأعيان ومؤسسات رسمية أخرى، وإنما ايضا في مؤسسة إعلامية لها مجلس إدارة يفترض أنه مستقل وهيئة تحرير معتبرة.
وغير لائق لأن الزميل المعايطة لم يرتكب أي فضيحة سياسية أو أخلاقية ولم يمارس أي شبهة فساد خلال وجوده على رأس عمله. بل يصر، على ما يؤكد العديد من زملاؤه، أنه حاول أن يطور ويحرر ويرفع سقف حرية الصحيفة.
طريقة الاخراج كانت فجة .. وزير الإعلام الزميل راكان المجالي - أيضا صديق للرئيس ولخليفة المعايطة، الزميل مجيد عصفور - كان قد اجتمع مع المعايطه قبل أيام وطلب منه تقديم استقالته من المؤسسة العريقة التي تستحوذ مؤسسة الضمان الاجتماعي على غالبية أسهمها، رغم مرور عقدين تقريبا على توصية رسمية بتحديد سقف مساهمة الحكومة بالمؤسسات الإعلامية. وفي محاولة لاسترضاء المعايطة، عرض عليه منصب مدير عام دائرة المطبوعات والنشر. لكنه رفضه.
مع الاحترام والتقدير لكفاءة الزميل عصفور، الرواية الرسمية لا تحمل أي عذر مقنع بالتغيير. لم يكن المعايطة متعاطفا مع سياسات الحكومة، حسبما ما يرشح من مطبخ الرأي، ورفض الانصياع لأوامر وردته من الدوار الرابع، أو أنه رفع سقف الصحيفة التي اصبحت تغطي ملفات حساسة وباتت تحمل موقفا اوضح حيال ملفات حيوية مثل التعديلات الدستورية.
لا مجال للخوض في تفاصيل إصرار رئيس مجلس إدارة الرأي رئيس هيئة تحريرها سمير الحياري بأن المعايطة لم يفصل تعسفياً .. وفي تفاصيل العرض الذي قدمته الصحيفة للمعايطة للبقاء ضمن المؤسسة، كاتباً، لكن بنصف راتبه السابق اضافة الى امتيازات رواتب الثالث والرابع والخامس عشر ومكافأة السادس عشر ، وبدل الاجازات فضلاً عن سائر امتيازات موظفي الصحيفة كالتامين الصحي والضمان الاجتماعي .. المعايطة توجه للقضاء بانتظار القرار.
ولن ندخل في الطريقة التي تم بها تغيير الزميل عبد الوهاب الزغيلات، لتعيين المعايطة في حزيران/ يونيو الماضي. فطالما ظلّ الضمان الاجتماعي يتحكم بغالبية اسهم المؤسسة الصحفية الاردنية، لن تتوقف تدخلات الحكومة وغيرها من أجهزة الدولة. لكن المشكلة الاخلاقية تتمثل في أن المعايطه استبدل بعصفور، وهو صديق شخصي وزميل دراسة لرئيس الوزراء، دون أن الانتقاص من مكانة الزميل الذي يعمل بالرأي منذ نشأتها عام 1971.
كنا نأمل من الرئيس ان يركز جهوده على ملف الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد بدلا من أن يقحم نفسه في قضية ثانوية لا تعنيه وان يضع السلطة التنفيذية في مواجهة مع السلطة الرابعة، وبذلك ينتقص من صدقية إصراره على الإصلاح وفصل السلطات.
فإذا أخذنا ما حدث مع الكاتب المعايطة مقياساً على ما ستقوم به حكومة الخصاونة مستقبلا، سنكون معذورين حين نبدأ بالقلق، لآن ما حدث ينسف المعيار الذي اختير على أساسه القاضي العادل ليكون رئيسا لوزراء الأردن في مرحلة صعبة داخليا وإقليميا؛ اقتصاديا، سياسيا وأجتماعيا.
فالحكومة انحرفت عن مسار الإصلاح ومكافحة الفساد. وادخلت نفسها في نفق مظلم. كان الأجدى بالخصاونة ترك أمر تغيير المعايطة لمجلس إدارة الصحيفة التي يستطيع التحكم فيها عبر الضمان الاجتماعي ووزير العمل – رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمان- بدلا من الاستعانة بتدخل وزير الاعلام.
وسيتواصل التدخل الرسمي الفاضح – بخلاف الشعارات المرفوعة عن الشفافية وارتفاع سقف الحرية- طالما بقي الضمان مهيمنا على محفظة الرأي وسائر المؤسسات الاعلامية- وهو حلم الكثير من الإعلاميين منذ سنوات.
بعد هذه المسألة سيئة الإخراج، ننتظر موقفا حاسما من نقيب الصحافيين، طارق المومني، يدين تدخل الحكومة بخاصة أنه أعلن مراراً أن مجلس النقابة لن يسمح لآحد بالتدخل في الإعلام.