التهور المالي - اليونان مثالاً
د. فهد الفانك
24-12-2011 03:09 AM
يستطيع من يشاء أن يشتري سندات الحكومة اليونانية باليورو التي تتداول الآن في سـوق لندن بسعر لا يزيد عن 5ر3% من قيمتها الاسمية، وبذلك يحصل مشـتريها على عائد سنوي يعادل 200% من كلفـة شراء السندات، إذا استطاعت الحكومة اليونانية أن تسـدد الفوائد ورأس المال في تواريخ الاستحقاق.
هذا العائد الهائل لا يفسـره سوى المخاطر الكبيرة التي يتحملها من يحمل سـندات الحكومة اليونانية، ومعناه أن اليونان دولة مفلسة، وأن تعهداتها المالية لا تساوي في السوق أكثر من 5ر3% من قيمتها.
هذا هو تقييـم السوق العالمي الحر للائتمان اليوناني، وهذه هي النتيجة التي أوصلت حكومة جورج باباندريو الاشتراكي اليونان إليها عن طريق سياسة الاسترضاء وشـراء الوقت والسـلوك المالي الأرعـن، وبالتالي الركوع أمام الدائنين.
من حسـن الحظ أن البنك المركزي الأردني يمتلك احتياطياً نقدياً صافياً بالعملة الأجنبية يناهز 11 مليار دولار، مما يعطي سـندات الحكومة الأردنية باليورو قـوة تحافظ بها على قـدر من المصداقيـة الائتمانية في السوق العالمية.
مع ذلك فقد انخفض سـعر تداول السندات السيادية الأردنية باليورو إلى مستوى 6ر92%. وبذلك يكون العائـد لمن يشتريها بهذا السـعر المخفض في حدود 6% سنوياً، مما يجعل هـذه السندات استثماراً جيداً للبنوك الأردنية التي أرادت وزارة المالية أن تتجاوزها وتطرح نفسـها في السوق العالمية.
نستطيع داخلياً أن نغطي على العيوب بعبارات إنشائية جميلة تقلب الأسود أبيض، مما برعت به وزارة المالية في وقت سـابق، ولكن الأسواق العالمية المفتوحة لا تعتمـد على الإعلام في تكوين موقفها بل تحلل الأرقـام والنتائج وتأخذ بالتصنيف الائتماني.
خلال الشـهور العشرة الأولى من هذه السنة بلغ العجـز في الموازنة العامة 5ر1 مليار دينار قبل المنح، ولكن المنحة السعودية الاستثنائية ساعدت في تلطيف الصورة، فكان العجـز (حسابياً) 443 مليون دينار بعد أخـذ المنح بالحساب، ومن المرجـح أن يرتفع العجـز بعد المنح في نهاية السـنة ليتجاوز مليار دينار، خاصة إذا دفعت وزارة المالية التزاماتها لمصفاة البترول وشـركة الكهرباء الوطنية والمقاولين والموردين.
ما زلنـا بانتظار الإشارات التي تصدر عن الحكومة الجديدة لمعرفة ما إذا كانت السياسة المالية مسـتمرة على علاتها، أم أن هناك إصلاحات جذرية تعـود بالمالية العامة إلى الوضع السليم والآمـن.
الرأي