لم أعتد الاحتفال بعيد ميلادي، وغالبا ما كنت أنساه، وكان يذكرني به شخص ما: صديق أو ابنة أو زوجة!.
لا أحب المناسبات عموما، وأكره الاحتفال بها، لأنها محاولة يائسة لاستعادة الأمس، وأفضّل جعلها مناسبة للنظر والاستعداد للغد، ثمة من يبحث عن أي مناسبة للاحتفال، واجتراح أعياد بحثا عن لحظة فرح، مع أن منبع الفرح هو داخلنا نحن، وشأن من ينتظر السعادة كمن يقف على رأس نبع باحثا عن ماء، وهو لا يراه متدفقا تحت قدميه، فالسعادة والفرح تنبجس من أعماقنا!.
في العام الرابع بعد نصف القرن الذي مضى من العمر، ثمة شوق دفين لتصفير العداد، ورغبة جامحة في ممارسة طفولية غريبة بعض الشيء؛ أذكر أن أحد أطفالي كانت إحدى هواياته الغريبة بناء بيت أو قصر أو قرية من قطع «الليغو» وكان حينما ينتهي من وضع لمساته الأخيرة عليها، ينظر إليها مليا، ثم يزيلها بظهر كفه، لتعود قطع «الليغو» مجرد ركام لا معنى له، ليبدأ من جديد في اجتراح فكرة جديدة!.
ثمة شوق غائر في عمق الأعماق، لكوخ خشبي، يتوسد سفح جبل مليء بالأشجار، تداعب مدخنته أنف الغيم، يطل على شاطىء بكر، أرعن، وغير بعيد، على بعد قارب قديم، جزيرة صغيرة، عليها طاولة خشبية، ومقعد حجري، وأدوات صيد سمك صدئة، بلا إنترنت، ولا لاب توب، ولا هاتف خلوي، ولا تلفاز، وشمس جامحة، وأمواج رعناء، تتكسر على الشاطىء بلا مبالاة!.
ثمة شوق لفنجان من القهوة، بذهن خال من أي مُنكهات، وعينين ناعستين بذبول ينتظر فراشا دافئا، يبعثه إحساس مُزمن بالبَـرْد، هل هي صدفة أن أطل على الدنيا في أول يوم من أربعينية الشتاء؟.
قد تبدو هذه الأشواق مستهجنة، وموغلة في البُـعْد عن الواقع، ولكنها في متناول اليد، ويمكن صناعتها على الفور، مع قليل من التنازلات في بعض التفاصيل، فالأحلام تتحقق من حيث تنبُع، ولكن الأهم أن لا يتحول الحالم إلى ذلك الرجل الذي ينتظر في جودو في مسرحية صموئيل بكيت الشهيرة، وما من أحد يأتي!.
للحظة، وبعيدا عن أي طموحات فردية، أو أحلام ذاتية، بصدق تام، تتكتل كل الأشواق إلى التوق نحو لحظة انتصار حقيقية، نتنفس فيها هواء ربيعيا عربيا مضمخا بالحرية والكبرياء والكرامة، بملء الصدر، وبعدها، كل شيء يهون، ولا أسف إن لم نحتفل بعيد الميلاد التالي، إلا تحت التراب!.
ملاحظة خارج النص:
كتب لي أحدهم مهنئا: أول 10 سنوات طفل، على الـ 20 مراهق، على الـ 30 مولدن، على الـ 40 يا دوبك صحي، على الـ 50 كبر وصار جَدًّا وتقاعد، وعلى الـ 60 يا رب تعين راحت عليه، يا الله حسن الختام، أنا مش عارف الرجل العربي متى يعيش حياته؟.
hilmias@gmail.com
(الدستور)