تميز القرن الربع الهجري في تاريخ الدولة العباسية بقيام دويلات وإمارات متعددة داخل الدولة العباسية ، حتى أن سيطرة الخليفة ونفوذه اقتصر في أحيان كثيرة على بغداد فقط . حتى أن إمارة صغيرة لـ"بني مزيد" قامت في الحلة على مقربة من بغداد ، وتشكلت امارات منها إمارة " بني عقيل" و" بني الجراح" ، وقد تمتعت هذه الدويلات والامارات بالاستقلال الذاتي إلى حد ما ، مع اعترافها بالسلطة الاسمية للخليفة العباسي . وقد خضع الأردن لإحدى هذه الامارات شبه المستقلة وهي " الإمارة الطائية" التي قامت خلال الفترة من 360-430هـ 970-1083م تحت زعامة "آل الجراح" . حيث بدأت إمارتهم من الرملة في فلسطين ، ثم امتدت إلى جند الأردن بمساعدة من القرامطة .
وقد اعترف الفاطميون بسلطة "آل الجراح" بعد فترة قصيرة من دخولهم الشام ومنها الأردن ، ففي سنة 358هـ 968م سير الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائده جعفر بن فلاح الكتامي إلى الشام ، فتمكن من إنهاء الوجود الإخشيدي فيها واسر ابن طغج في الرملة ، ثم توجه إلى عاصمة جند الأردن طبرية وسيطر عليها ، ثم سار إلى دمشق وسيطر عليها وأقام الخطبة فيها للخليفة المعز لدين الله الفاطمي ، وقطع الخطبة للخليفة العباسي في كافة أرجاء بلاد الشام ومن بينها الأردن وولاية البلقاء .
ولكن آل الجراح الطائيين تمكنوا من استعادة الرملة بمساعدة من القرامطة ، وعين القرامطة دغفل الجراح الطائي قائدا على الرملة . وقد تعزز موقف آل الجراح بعد أن اعترف الفاطميون بسلطتهم في بلاد الشام سنة 368هـ 978م مقابل مائة ألف دينار ، وفوض الفاطميون الإمارة إلى المفرج بن دغفل الطائي ، الذي توجه من فوره إلى الأردن والبلقاء وسيطر عليها .
ولكن آل الجراح تجبروا بالناس وعطلوا زروعهم لإشغالهم الناس بالحروب مع خصومهم ، مما جعل الخليفة الفاطمي العزيز يسير قائده بلتكين التركي إليهم ومعه أعراب قيس ، فتمكن من هزيمة آل الجراح سنة 370هـ 980م ، فانحاز آل الجراح لجنوبي الأردن واعتصموا بجبال الشراة ، فكانت الشراة حصنا لهم كلما أحسوا بخطر الفاطميين .
وقد ازدهرت مدينة العقبة أيام الفاطميين ، فكانت عامرة بأسواقها ونشاط مينائها ، فقد كانت محطة تجارية للفاطميين ، وصل تجارها إلى الصين شرقا .
وقد أصبحت عمان مركزا لتجمع جيوش الفاطميين بقيادة منير الخادم الذي ذهبت لتأديب والي دمشق بكجور الذي تمرد واستقل في دمشق ، فسار الجيش الفاطمي من عمان إلى دمشق بينما هرب بكجور إلى الرقة ، فأرسل الوزير الفاطمي يعقوب بن كلس إلي والي عمان "ناصح الطباخ" ليسير إلى حمص للقبض على رجال بكجور ، فألقى القبض عليهم وأرسلهم إلى دمشق .
ونظرا لوقوع الأردن تحت الحكم الفاطمي ؛ فقد انتشر المذهب الشيعي بين أهلها حتى أن المقدسي ذكر انه : "لا ماء فيها لمعتزلي" .
وفي نهاية القرن الرابع الهجري ومطلع القرن الخامس الهجري ؛ تنازعت السيطرة على الشام ومن بينها الأردن مع الفاطميين ، بعض القوى القبلية ومن أهمها ؛ قبيلة كلاب التي سيطرت على حلب ، وقبيلة كلب التي سيطرت على دمشق وما جاروها تحت قيادة سنان بن عليان الكلبي ، وقبيلة طي التي سيطرت على جنوبي بلاد الشام خاصة الأردن والبلقاء وكذلك على جنوبي فلسطين .
وقد كان في الأردن بعض التجمعات السكنية الهامة إذ ازدهرت مدينة صغر أي (زغر) في غور الصافي كمركز نشاط تجاري واسع ، وازدهرت أيضا في فترة السيطرة الفاطمية والطائية ؛ مدينة أيلة وعمان والموقر في مجال الثقافة والعلوم ، وازدهرت الزراعة في الشراة والجبال ، وقد كانت عمان في أوج عزها "معدنا للحبوب والأغنام" كما يقول المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم ، وذلك لكثرة ينابيعها وأنهارها ، وكان بها جامع ظريف مفسفس الصحن شبه مكة . ونالت بحيرة زغر أي البحر الميت مكانة خاصة ، فكان يقام بها في كل عام في شهر آب موسم يجتمع فيه اصحاب العلل ، حيث أشار المقدسي أن مياه زغر كانت تشفي كثيرا من العلل ، كما كانت هناك حمة في جبال الشراة ، يستشفي عندها الناس .
وقد تميز الأردن بالعلوم والثقافة منذ نهاية القرن الأول الهجري ، فخرج من مدن الأردن العديد من العلماء ؛ فقد كانت عمان والبلقاء رافدا لدمشق والقاهرة من علمائهما ، كما كانت أيلة حلقة الوصل بين علماء مصر والحجاز والشام ، خاصة في مجال الحديث . فقد اخذ العديد من علماء الحديث من علماء أيلة أي العقبة ، فقد وفد إليها مالك بن انس الذي روى عن حسين بن رستم الأيلي ، ووفد إليها كل من النسائي ، والليث بن سعد ، ويحيى بن حمزة ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وابن وهب ، وابن لهيعة ، وابن ماجه ، وأبو داوود ، ويحيى القطان ، كلهم وفدوا إلى أيلة في ولاية البلقاء ينهلون من علمها وعلمائها . كما برز العديد من العلماء والفقهاء من الأردن والبلقاء في تلك الفترة من كل من عمان ومعان وعجلون وباعون والصلت والموقر والشراة والكرك والشوبك واربد .