مرافعة كوميدية من طراز بعثي خاص، قدمها مدير الدائرة القانونية في وزارة الخارجية محمود الحمود، ردّا على تقرير لمفوض الأمم المتحدة مانفريك نوفاك حول التعذيب في الأردن.
كوميدية، لأنها مبنية على مفارقات، ومواقف، تستثير ضحكا مريرا. وبعثية، لأنها استعارت مفردات الاعلام البعثي في نفي الوقائع، وفي تكذيب الأحداث، في سياق يتوسّل خطابا قانونيا، ولا يبلغه ابدا!
يقول الحمود إن القول بوجود تعذيب في الأردن "إدعاء غير موثوق به، ولا يستند الى وقائع سليمة" أي أن عشرات الشكاوى أمام المحاكم من اعترافات أنتزعت بالاكراه، وتحت التعذيب، ونشرت الصحف وقائع ذلك، مجرد أوهام في رأس مانفريك نوفاك، أو في رؤوسنا، وليس موجودا بتاتا في مراكز توقيف وسجون، لا يزال الجدل المحلي حول ما يحدث فيها محتدما إلى الحد الذي دفع بإغلاق بعضها، وتحسين أخرى، وبناء سجون جديدة، بعد اضطرابات، وحوادث شغب، وحالات وفيات!
وكان بامكان الحمود أن يقول إن "هناك وقائع للتعذيب، جرى التحقيق فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها" لكي نصدقه، ونتأكد أن التعذيب كان "روتينيا" وليس "ممنهجا"، ولكي لا نستعيد قصة وزير الاعلام العبقري الذي نفى في العام 1999 تعرض خالد مشعل لمحاولة اغتيال، وأكد انها كانت "مجرد مشاجرة"!
ويذهب الحمود في الكوميديا الحكومية – الإعلامية – البعثية بعيدا، حين يشير إلى أنه "لا يمكن اتهام دولة بممارسة التعذيب، من خلال الاستناد إلى حالات فردية"!
أي أن هناك "حالات تعذيب" على نقيض نفيه في المؤتمر الصحافي نفسه بعدم "وجود وقائع سليمة".
ثم يكرر الحمود اللهجة البعثية المرتبكة ايقاعيا، عندما يؤكد إن "الحالات التي استند إليها المقرر نوفاك (...) حالات، وإدعاءات فردية، ومستقاة في معظمها من منظمات غير حكومية، وادعاءات فردية لعدد من الموقوفين والمحتجزين".
فمن أين يمكن أن يستقي نوفاك معلوماته؟ إذا كانت الحكومة لن تعترف أبدا أن لديها تعذيبا في بعض مراكز التوقيف والسجون، وأن أساليب التحقيق ما تزال بدائية، وغير مهنية، ولا تراعي حقوق الانسان؟!
كما أن الطب الشرعي ليس مستقلا إلى الحد الذي يجعله قادرا ومؤهلا على نشر تقارير عن الحالات التي يكشف عليها، بعد أن تتعرض للتعذيب؟!
نفي تقرير نوفاك لا يختلف كثيرا عن النفي المتواصل للتقارير الدولية حول انتهاك حقوق الانسان، ووضع المزيد من القيود على الحريات العامة، وهو يزيد الأسى، ولا يقنع أحدا، وسنظل نراوح في النقطة السوداء ذاتها، حتى يأتي مسؤولون يحبون لبلادنا الخير، ولناسنا العدل والكرامة.