اين كان كل هذا الصديد يتراكم؟ وهل كان تضميد الجراح سواء في الجسد او الذاكرة مغشوشا بحيث يتم التستر عليها كما لو انها عورة؟
قلة توشك على الانقراض هي التي تجازف الان بالجهر بما تفكر، وتقول للغول عينك حمراء ايا كان من يرتدي قناع الغول، والاكثرية كالعادة لم يلهها التكاثر فقط، بل ادنى الانهماكات الدودية التي تحول الحياة الى مجرد اشباع كاذب للغرائز.
حجم الاخطار التي تهدد عالمنا العربي الان اكثر باضعاف مضاعفة مما يظن هواة التفكير الوطني في اوقات الفراغ، الذين لا يعرفون حتى مساحة اوطانهم ومديونياتها ونصيب كل فرد منهم من هذه المديونيات.. ولا ندري من هو الاحمق بل الاخرق الذي عرّف لنا الاوطان بانها مجرد اوكار او جحور حتى لو كانت مؤثثة باحدث ما جادت به صناعة العصر..
واضح ان المعنيين فعلا بمستقبل وطنهم وما سوف يحدث لاحفادهم الذين تُنصَب لهم الكمائن والافخاخ في كل مكان هم قلة من شهداء يسهرون في قبورهم وانصاف شهداء يموتون كل يوم الف مرة، لشعورهم بالعجز ازاء ما يسمعون على مدار الساعة من استغاثات بلغتهم وبلهجات شعوبهم لا قيمة للحزن اذا لم يتحول الى غضب ولا قيمة للغضب اذا كان مجرد عض للسان كما تعلك الخيول اللجام، والارجح ان التمهيد لهذه اللامبالاة وهذه الاستقالات الجماعية من التاريخ والاخلاق بدأ منذ زمن بعيد وبالتحديد منذ تلك اللحظة التي بثت فيها ثقافة ما حك جلدك مثل ظفرك، رغم ان احد العلماء اكتشف بان الفئران تحك رؤوس بعضها وثمة ما هو مشترك بينها غير الخوف والسموم والجحور.
من حق من لا يدري، ان يسخر حتى من دموع الذي يدري، فالدنيا بالنسبة اليه بالف خير اذا ملأ بطنه وتجشأ واشبع غرائزه كأي ثعلب.
فلا تقنية الطباعة التي وفرت الكتب بيسر لكي تكون بمتناول الجميع اذا رغبوا ولا الانترنت بكل حمولته المعرفية وارقامه خلخلت صلابة اللامبالاة، واشعرت ملايين البشر بأن للسبات فصلا واحدا، وليس كل الفصول، وان للانانية حدودا ما ان تتخطاها حتى تصبح ذرائعية وكلبية وتبرر القتل ان كان يعود بالنفع.
منذ قرن والشعراء يصرخون، والإصلاحيون يتناوبون على الزنازين والفقراء يزدادون فقرا، والأمية تتفاقم رغم أن عدد المعاهد والجامعات ينافس عدد البقالات فهل كان النفخ في قرية مثقوبة أم في الرماد؟
من ثاروا على الاستبداد سرعان ما استبدوا ومن سعوا الى الديمقراطية ارادوا احتكارها، لانها ان لم تناسبهم يفسدون اللعبة كما يفعل المقامر في لحظة افلاسه.
اننا كعرب الان سواء كنا في الربيع او الخريف او حتى في فصل الجحيم الذي كتب عنه آرثر رامبو ندفع ثمن المؤجل، وثمن تغليب كرة القدم على كرة الرأس والبحث عن حساء يغمس فيه الرغيف حتى لو كان من دم.
واذا كانت القوانين لا ترحم الجاهلين بها ويدفعون ثمن جهلهم فالتاريخ كذلك لان من عزفوا عن قراءته تحولوا الى ضحايا وكرروا اخطاءه كلها!!
(الدستور)