لماذا الورق, حامل ذاكرة الوطن والحضارة? لماذا يبقر الاولاد بطن امهم لينتزعوا منه كل بويضات الخصب المخزونة والمستقبلية?
من مكتبة المخطوطات في بغداد التي حوّل الغزو الاميركي ثمانمئة مخطوطة فيها الى رماد, الى دار العلوم المصرية التي حولت نيران من يسمون انفسهم ثوارا مئتي الف مخطوطة فيها الى رماد? دار العلوم حمتها اجيال مصر منذ عام ,1927 وحمت هي بذراعين حنونتين تراث مصر, تاريخ مصر وصورة مصر لاجيالها القادمة. فهل يصدق عاقل ان من يريد للشجرة ان تنمو وتزهر وتتجدد يقوم بقطع جذورها?
في العراق قلنا انه الاحتلال, وانه الموساد الذي رافقه, انها غيرة راعي البقر الذي لا يملك تراثا ولا جذورا في رحم الحضارة من عراق هو مهد الحضارة الانسانية, وملعب استمرارها. ألم يقل كرورمر بان كل شيء بدا في سومر? فما الذي بدا في الولايات المتحدة غير تقاليد رعاة البقر والتأسيس على ابادة الهنود الحمر? لكم اذكر زيارة اكاديمية الى الاباما, سئلت في نهايتها اذا ما كنت احب ان ارى شيئا خاصا في المدينة, وكعادتي قلت: المتحف. ذهبت اليه واذا انا في مبنى جميل اكبر قاعاته تضم مجموعة فضيات لاسرة اميركية ثرية تبرعت بها للمتحف قبل مئة عام, وفي الجولة على قاعاته لم اعثر على ما يتجاوز عمر بيت جدي. اردت ان اكون مهذبة فقلت للاستاذة التي ترافقني: التعاون بيننا ممكن: نحن شعب نملك ارث الشيوخ وانتم تملكون حيوية الشباب, ولكن ذلك كان قبل الحرب على العراق.
في العراق قلنا انه حقد اليهود على ارث نبوخذ نصر, ولذلك كان اول ما حطموه الواح السبي البابلي, وفيما هو اعمق من ذلك حقدهم على ارث من الالواح التي تسجل اساطير فيها كل ما في التوراة وتعود الى تواريخ تسبقها بقرون.
ولكن. ماذا نقول الآن في مصر? كيف نفسر ان تكون اليد التي اشعلت عود الثقاب يد مصرية سمراء, لا تعتمر قبعة رعاة البقر ولا قلنسوة يهودي?
الأمر في عمقه حقد على الحضارة, حضارة هذه المنطقة الالفية, سومرية كانت أم بابلية, اكادية أم اشورية, كنعانية أم فرعونية, اموية أم عباسية أم فاطمية أم ايوبية. حقد من لا يملك على من يسبح في الغنى. وعندما يكون الثراء هو ثراء حضاري تاريخي ثقافي, والفقر كذلك, فلا الاموال ولا القوة تستطيع تعويضه. لا شيء يعوض الا التدمير. أما بالنسبة لليهود فقد لخص بيغن كل المعادلة بيننا وبين جماعته حين قال عام 1993: "حتى لو حصل سلم بيننا وبين العرب, فان الحرب بين الحضارة العربية والحضارة اليهودية ستظل قائمة الى ان تسيطر احداهما على الاخرى".
وأخيرا : اليد التي تنفذ, ليست هي القصة. رغم ان قصتها تكمن في التساؤل الذي طرحه الناطق باسم المجلس العسكري في مؤتمره الصحافي يوم امس: "أي مواطن بنينا? أي انسان شكلنا? كيف اصبح هؤلاء المصريون كذلك?
بساطة اجمع : فقر على تجهيل على فساد يبدأ من الرأس حتى الافراد, ولكي يبرر نفسه يسوق منظومة قيم فاسدة, على تحطيم للحس القومي, تحطيم للكرامة وتجذير للذل : ذل الامة, ذل الوطن وذل الانسان, تشويه لمفهوم الدولة كي يصبح معناه طبقة معينة من المتسلطين والفاسدين بدلا من ان يكون معناه الحقيقي المؤسسة الدستورية السياسية للمجتمع.... اجمع كل ذلك وستجد من قد يقوم يوما بنسف الاهرامات او دار الاوبرا لقاء خمسين من الفضة.
(العرب اليوم)