السبت الأسود في القاهرة : انتهاك الإنسان وتدمير الحضارة
باتر محمد وردم
20-12-2011 02:26 AM
نجحت الثورة المصرية بإلهام الملايين في العالم كيفية التنظيم والصمود والمعارضة السلمية والمبدعة للإطاحة بنظام ديكتاتوري، لكن بعد حوالي سنة من المشاهد التاريخية في ميدان التحرير تبدو مسارات الحاضر والمستقبل مقلقة جدا، وقد سجل يوم السبت الماضي مشهدين غاية في الاشمئزاز أتمنى أن تتم إزالتهما من الذاكرة بسرعة شديدة عن طريق مشاهد أخرى تصلح ما تم إفساده.
تأملت طويلا في الصورة التي وزعتها وكالة الأنباء الفرنسية لشاب مصري يرفع بيديه الاثنتين علامة النصر بينما المجمع العلمي التاريخي وراءه يحترق ملتهما أمهات الكتب والمخطوطات التي يزيد عمرها على 200 عام ومنها النسخة الأصلية لكتاب وصف مصر الذي أعدته البعثة العلمية المرافقة لنابليون بونابرت.
أي نصر هذا الذي يفرح به؟ تدمير التراث وحرق الحضارة والتاريخ الذي تتميز به مصر؟ كيف يريد هؤلاء الشبان أن يبنوا مستقبلا جديدا لمصر وهم يحرقون تاريخها؟
لم تمر سويعات حتى كان المشهد الأكثر إيلاما. هذه المرة ثلة من الجنود تركض بمنتهى الشراسة نحو المتظاهرين ويقع بين ايديهم شاب وفتاة.
يتعرض الشاب لضرب وحشي بينما يتم إلقاء الفتاة على الأرض وتجريدها من ثيابها أمام الجميع. جندي واحد فقط كانت لديه كرامة وإنسانية بأن قام بتغطية الفتاة بعد ثوان، كانت كافية لعدسات الكاميرا والفيديو بتسجيل هذا المشهد المفجع لأخلاقيات وسلوكيات أفراد من الجيش الذي يفترض أن ينظم عملية الانتقال الديمقراطي في مصر.
لا يمكن التعميم ولكن هنالك حالات من الجهل والغرور لدى فئة من شباب الاحتجاجات وهناك قمع وانتهاك لحقوق الإنسان من قبل فئات من الجيش. والشعب المصري يقع الآن ضحية الصراع البدائي على السلطة والذي يشارك فيه المجلس العسكري والأخوان المسلمين الطامحين لرئاسة الحكومة وشباب الثورة الذين يجدون أن معظم طموحاتهم باتت تتبخر يوما تلو الآخر، بدون نسيان بقايا وفلول النظام السابق والذين لن يتوقفوا عن نشر الفتنة والمشاكل وتخريب الأمن من أجل إيصال رسالة مفادها “لو بقينا بدون ثورة لكان الوضع أفضل”!
من الصعب تقييم نوايا المجلس العسكري في مصر ومدى استعداده للتخلي عن السلطة، وكذلك من الصعب الحكم على النوايا المسبقة للاخوان المسلمين ولكن من المنطقي ان الطرفين يلتقيان في نقطة واحدة وهي ضرورة إنهاء ظاهرة “ميدان التحرير” كموقع للقوة الشعبية التي يمكن لها أن تشكل ضغطا على أية منظومة حكم.
لقد تمكنت هذه القوة الشعبية من الإطاحة بنظام مبارك، وهي الآن تتحدى سلطة الجيش ولن يمضي وقت طويل حتى تنزل للشارع للإطاحة بالأخوان المسلمين، فمصلحة الطرفين (العسكر والأخوان) هي إضعاف القيمة الرمزية لميدان التحرير حتى يتسنى للطرفين التفرع لبعضهما البعض في صراع السلطة.
ليس من المبالغ به ايضا القول إن هنالك جهات مندسة بين شباب الثورة تسهم بتخريب الممتلكات العامة والرموز التاريخية بهدف بث مشاعر التبرم والضيق بين أفراد الشعب المصري والذين في نهاية الأمر يريدون لبلادهم أن تعود إلى حالة طبيعية وتدور عجلة الاقتصاد والعمل والحياة والخروج من مستنقع الفوضى المستمر.
والمتابع لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة في مصر سيعرف أن هنالك انتقادات كثيرة توجه الآن لشباب الثورة تتعلق بأفكارهم “المتطرفة” واستعجالهم للتغيير.
حرق المجمع العلمي أساء لسمعة الثوار الشباب وانتهاك كرامة الفتاة أساء إلى الجيش، وهكذا تصبح فرص التهدئة أقل إلا إذا ظهرت فئة جديدة من المحتجين تطالب الشباب، والجيش والأخوان بالانتهاء من هذه اللعبة المميتة والتفرع لبناء مستقبل مصر.
batirw@yahoo.com
(الدستور)