أبداً لم تستقبل قوات الاحتلال الأمريكي بالورود والشموع والهلاهيل (الزغاريد)، ورقصات (الجوبي)، كما كان يروّج ويشاع، حينما احتلت ظلما بلدا مستقلا آمنا بحجج واهية لا تنطلي على عقل خرب، ولكنها يوم أمس غادرت أرض السواد (العراق) على وقع تكسير (القلل)، وتشظي الجرار والخوابي فخارية، تقول فيما تقول جهراً وسراً: درب تصد ما ترد!.
سيحلو للبعض أن يصف تلك القوات الغازية وينعتها، بأنها جاءت جارة للعراق، وقد خلصته من احتلال داخلي بغيض ربض على صدره لعقود طوال. ولهذا فمن الواجب أن نعاملها معاملة الجيران، حينما يجمعون أمتعتهم ويطلبون الرحيل.
وكما أن كل شيء قرضة ودين حتى دموع العين، كما يدرج في قولنا الشعبي؛ فإن الجار الجديد كان يتلقى الحفاوة، وطيب الاستقبال، من كل جيرانه في (المحلة) والحارة، فيتناوبون على إقامة الولائم له بالتناوب: الواحدة تلو أخرى، حتى سابع جار، وأبعد.
وفي المقابل من ذلك، فحين يهمّ هذا الجار بالرحيل، يتوجب عليه أن يجمع جيرانه كلهم على وليمة كبرى، ليتصافى معهم، ويطلب منهم المسامحة قبل أن يطلب إذن الرحيل، وهو ما تعارف عليه ب(تربيط الذباب)!.
وقد يكون أن هذا المصطلح الذكي، جاء من أن الجيران يحدث بينهم ما يعكر الصفو من مشاحنات خفيفة، أو نزاعات بسيطة، وهو أمر إن بقي على حاله دون مسح؛ فسيكون مدعاة لتجمع ذباب البغضاء، وهسهس العداوة، وبعوض الأحقاد.
وليمة تربيط الذباب تريد أن تكون الجيرة والتجاور مختومة بطبق (باجه) عرمرمي، أو (قوزي)، أو برياني، أو دولمى (محاشي عراقية)، لتجب ما قبلها من هفوات وهنات، وتجعل راية الجار الراحل بيضاء من غير سوء!.
لكن قوات الاحتلال الأمريكية لم تحل يوماً جارة على العراق، بل هي (جارت) عليه، وقمعته، واحتلته، وقتلت الآلاف من أبنائه، ونهبت خيراته، وجعلته عرضة لتتفتت، ومطمعاً للعاب جيران أفاع!؛ وجعلته مخضباً بجراحات سيطول شفاؤها، وغارقاً بديون حتى ترقوته وأعلى. فهل يستطيع أوباما العطار، أن يصلح ما اقترفه (بوش) الفاسد. وأي وليمة قادرة على ربط كل ذلك الذباب الطائر منه والمختبئ والمتحين للفرص؟!. أي وليمة تستطيع أن تربط ذباب امريكيا في العراق، حتى لو كانت طنجرة (تشريب) بحجم الخليج العربي أو الأطلسي؟!.
ramzi972@hotmail.com
الدستور