«الفساد المطلوب لا يمكن الاتصال به»
سميح المعايطة
19-12-2011 03:02 AM
عملية مكافحة الفساد في أي بلد ليست مطالبة فقط أو إرسال أشخاص إلى القضاء أو إلى الإعلام ليكونوا تحت محاكمة القضاء أو الرأي العام لكنها جزء من تعامل متكامل يبدأ من الدولة وينتهي بعامة الناس.
ولأننا في الأردن شهدنا خلال الفترات الأخيرة عدداً من القضايا بما فيها قضية المصفاة وآخرها القضايا التي بدأ الادعاء العام التحقيق فيها قبل أيام وربما تكون هناك قضايا أخرى كما نسمع من البعض فإن من الضروري أن نمتلك جميعاً قاعدة هامة جداً وهي احترام القضاء والثقة التامة بمساره ونهجه في إدارة القضايا المختلفة.
علينا احترام المسار القضائي لأننا نتوقع من البعض إن كان من المتهمين أو من المحسوبين عليهم أو حتى من المنادين بمكافحة الفساد ممارسة نوع من التشكيك أو الرفض لبعض الأحكام القضائية, وهذا يكون إما من خلال القول أنها قرارات سياسية أو الادعاء أن المحاكمات كانت شكلية أو قاسية أو أي أحكام أخرى.
مهما تحدثنا عن الفساد فإن الجزء الأهم في مكافحته يتم لدى القضاء, والقضاء يتعامل مع معطيات وأدلة وقرائن يتم من خلالها الحكم على أي متهم بالبراءة أو الاتهام أو عدم المسؤولية, والقضاء لا يتعامل مع انطباعات أو أحكام رأي عام أو شبهات وبالتالي فإن جزءاً من ثقافة الحرب على الفساد أن نحتكم إلى القضاء وأن نقبل حكمه لأن أصول العمل القضائي تختلف عن تعامل الإعلام أو النواب أو المجالس أو الشعارات فلكل مجال قواعد, فيمكن لنائب أن يتهم مسؤولاً بالفساد لكن الجهة الوحيدة التي تعاقب الفاسد هي القضاء.
أقول هذا لأن هناك قضايا عديدة بدأت تأخذ طريقها إلى القضاء, وربما يجد القضاء أن شخصاً لا أدلة على إدانته وبالتالي يصدر قرارا ببراءته وهذا لا يعني أن القضاء منحاز للمتهم, فقد تكون المشكلة في غياب الأدلة أو مهارة أي متهم في التعامل مع القانون, وقد يكون الأمر في الاتجاه المعاكس, لهذا فلا يجوز لنا إلا أن نقبل بحكم القضاء وأن لا نعمد إلى إصدار أحكام سياسية بأن محاربة الفساد ليست جدية لأن فلان برأته المحكمة أو أن محاكمة فلان وإدانته قرار سياسي أو استهداف لعائلة أو عشيرة أو جهة.
من يطالب بالحرب على الفساد فعليه أن يؤمن ويقبل بأن القضاء هو العنوان النهائي للعقاب, وأن لا نكون انتقائيين في قبول الأحكام, وأن لا نمارس التشكيك بالقضاء وأحكامه سياسياً لأننا حين ذاك سنفقد المرجعية التي تحدد من هو الفاسد وما هو عقابه, وسيكون من الطبيعي أن يصل الاتهام بالفساد بأنواعه حتى للجهات التي تطالب بمكافحة الفساد.
هناك خشية من تشكيك لأغراض سياسية بالمسارات القضائية التي تتعامل مع قضايا الفساد, أو تشكيك اجتماعي لأن من صدر بحقه حكم محسوب علينا ومن عظام الرقبة, والخطير في هذا أننا إذا أصبحنا نشكك في المسارات القضائية لأن من يتم إدانته يهمنا أمره فهذا يعني أن مكافحة الفساد أمر مستحيل لأننا نصدر حكماً بالفساد على القضاء وهذا أمر خطير.
المتهم بريء حتى تثبت إدانته قاعدة شهيرة ينبغي أن نتذكرها لأن كل من يتم اتهامه هو ما زال في مرحلة التقاضي وعندما يقول القضاء كلمته فإن كل متهم مدان يجب أن يدفع ثمن فساده, لأننا لا نريد في حربنا على الفساد أن نمارس فساداً آخر سواء في التشكيك بالمسارات القضائية أو أن نمارس دور القضاء من خلال إدانة أي شخص لا يدينه القضاء, ولنتذكر دائماً أن الهدف الرئيسي للاصلاح هو تعميق سيادة القانون والاحتكام إلى المؤسسات.
الرأي