كم تمنيت أن تنتظم الأمور في بلادنا بذات السوية والدقة التي تعمل بها كوادر طبيّة وتمريضيّة وطنيّة في مركز القلب بمدينة الحسين الطبية.

كل حركة في "ICU" مركز القلب محسوبة، مدوّنة ومرصودة...الجميع يعرف ماذا يفعل ويتحرك بإيقاع منتظم و"مسستم".. هذا كله لا يحدث في البناء المجاور لمركز القلب في ذات المستشفى وهذا لا يحدث في أي مكان آخر في دولتنا بما في ذلك مطابخ صنع القرار التي يبدو أنها تتحرك بإيقاعات لا يربطها رابطٌ ولا يصل أجزاءها واصلٌ ولا يحلّ طلاسم نهجها وسياستها المتناقضة والمتضاربة عالم أو غير عالم.. كلٌ يغني على ليلاه... فلا نسمع غير أصوات نشاز وقرارات فردية ارتجاليّة لا تستطيع أن تميز لها نمطاً أو موقفاً متجانساً في أي اتجاه وهذا بظني احد اخطر أوجه الفساد على الإطلاق..

الفساد ممارسة لا تقتصر على الجرائم المنصوص عليها في القوانين المرعية كسرقة المال العام أو الاختلاس أو استغلال الوظيفة العامة أو الرشوة.. فالموظف الذي لا يخلص في عمله فاسد والمواطن الذي يهمل بواجبات المواطنة فاسد أيضاً.. الخائف المتردد الساكت عن تجاوزات الكبار والصغار في مختلف اجهزة الدولة فاسد.. المسؤول الذي يأخذ هبات وهدايا وعطايا مصدرها المال العام فاسد... الجهة الرقابية التي تتغاضى عن ملفات الفساد الكبيرة وتشرع في محاسبة صغار المتهمين بالفساد ليست جادة ولا مخلصة في عملها ومهمتها وهي بذلك جهة تشارك في تفاقم الفساد واستشرائه.. السلطة التي تعوق وتؤخر البت في قضايا الفساد لا أعرف ماذا أقول عنها غير أنها تحمي الفساد وتعوق جهود مكافحته..

الديوان الملكي كشف عن ملابسات قضية الأراضي التي نقلت ملكيتها للملك.. ورغم الجدل الذي تسببت به هذه التصريحات إلا أنها رسالة واضحة الدلالة للجميع.. ونخص بالذكر هنا كل الكبار من الساسة وقيادات الأجهزة الأمنية وغيرهم من قيادات الصف الأول.. فلقد حانت ساعة المحاسبة وإشهار الذمة المالية.. الملك بدأ بنفسه.. واليوم على الجميع أن يعيد ما للدولة من أراض وممتلكات تم وضع اليد عليها من قبل متنفذين او تم الحصول عليها بغير وجه حق.. لا استثناءات .. الجميع مطالبون بإعادة أراضي الخزينة وجوائز الترضية التي حصلوا عليها...

اللافت أن رجالات الدولة استفزتهم المطالبات بإعادة الأراضي التي سجلت بأسمائهم ولم يقلقهم كل اللغط والكلام الكثير حول أراضي الخزينة التي سجلت باسم الملك في عهد حكومة علي أبو الراغب أو عبد الرؤوف الروابدة (..).. ولهؤلاء نقول إن التاريخ لا يرحم وإن أموال الناس ستبقى لعنتها تطاردهم إلى ولد الولد... فهل سيقتدون بالملك؟