هل نحن بحاجة إلى إعلان الأحكام العرفية الأخلاقية في الأردن؟
باتر محمد وردم
18-09-2007 03:00 AM
تأتيني رسالة نصية عبر الهاتف الخلوي ضمن خدمة يفترض أن تكون خفيفة دم وتقول "والدا الطفلة اللقيطة مستعدان لدخول سجن الزوجية هروبا من سجن الجويدة". لا يوجد ما هو مضحك في هذه الجملة والموضوع كله لا يجوز أن يصبح مثارا للسخرية، كما لا يعجبني أبدا إطلاق وصف "طفلة الحاوية" على هذه الطفلة المسكينة التي تعرضت منذ اللحظة الأولى لولادتها إلى مؤامرة قتل فظيعة تضاف إلى خطيئة أخلاقية إرتكبها والداها. ولكن الأدهى من ذلك أنه في حال زواج الوالدان فإن الطفلة يمكن أن تعود إليهم، فكيف يمكن أن يعقل ذلك بعد هذه الجريمة؟الجواب على ذلك هو المجتمع الذي لن يرحم طفلة مسماة لقيطة وسوف يستمر في إطلاق أسوأ الأوصاف عليها حتى لو كبرت واصبحت مثالا في الإبداع والأخلاق والتميز لأن مصيرها اصبح محكوما منذ لحظة الولادة، ولهذا فإن المفارقة أن مصلحتها الاجتماعية قد تكمن في النهاية في العودة إلى أب وأم أرادا قتلها، والهدف الوحيد هو الحصول على إسم عائلة.
خبر آخر في الصحافة المحلية يقول بأن تجارا بدون ضمير يقومون بطلاء فاكهة الرمان بمواد طلاء تحتوي على الرصاص من أجل جعلها أكثر جاذبية للمواطن. من الأسوأ هنا، الوالدان اللذان إرتكبا الخطيئة وحاولا قتل طفلتهما أم تاجر لا يأبه بتسميم مئات الأشخاص مقابل ربح بسيط في نهاية اليوم؟
رئيس الوزراء يقوم بجولة لمراقبة الأسواق الشعبية ويهدد بملاحقة وعقاب كل تاجر متنفذ يضغط على التجار الصغار لمنع عرض المنتجات في السوق الشعبي لأن همه الوحيد هو الربح ولو كان ذلك على حساب فقر متواصل لدى المواطنين. والذاكرة مليئة بالكثير من القصص والأخبار التي تجعل شعر الرأس يشيب هولا من هذا التردي الأخلاقي والقيمي المستمر في المجتمع الأردني.
يبدو أننا قد وصلنا إلى مرحلة بات فيها من الضروري تفعيل "الأحكام العرفية الأخلاقية" في البلاد لتغليظ العقاب على كل من يقوم بارتكاب أعمال تؤذي المواطنين الآخرين. دعونا نكون واضحين هنا، نحن لا نقصد بالأحكام العرفية الأخلاقية مؤسسة تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية الشقيقة تحاول فرض نمط سلوك معين على المواطنين لأن المجتمع الأردني متعدد الثقافات والقيم ولكن ربما ما نحتاجه منظومة مراقبة أمنية، وملاحقة تشريعية صارمة لكل السلوكيات والممارسات العامة سواء من التجار أو السائقين أو المواطنين العاديين الذين يتسببون بإهمال، وعدوانية وجشع وقلة ضمير في إيقاع الأذى بمواطنين آخرين.
لا أحد يختلف على التراجع الأخلاقي والقيمي الكبير في الأردن وخاصة في العاصمة عمان والمدن الرئيسية مثل إربد والزرقاء، ولا نريد الوقوع في فخ المواعظ الأخلاقية وإتهام الثقافة الغربية الدخيلة وسلوك النساء بهذا التراجع القيمي كما يحاول البعض البحث عن أسهل التفسيرات لأن المشكلة أن تراجع القيم بات مرتبطا بممارسات ليست لها علاقة بالثقافة الغربية ولا باللباس.
مدننا أصبحت أكبر، واصبحنا نستقبل الزوار من كل العالم. إقتصادنا يعاني من عدم القدرة على مواجهة الغلاء والفقر والبطالة والتنافس المهني الهائل والصراعات اليومية بين المواطنين للبحث عن لقمة العيش. ثقافتنا لا زالت حبيسة الماضي في مواجهة ثقافات ووسائل إتصال حديثة تعرض كل ما ينقصنا وبرامج ترويج استهلاكية تجعل الفقراء ومحدودي الدخل يحسون بغربة تامة عن المجتمع وتجعل الأثرياء يلهثون وراء المواد الاستهلاكية بدون اي إحساس بأهمية الحفاظ على القيم.
هذه التغيرات الاجتماعية العميقة ليست خاصة بالأردن فقد شهدتها دول عربية كثيرة لعل مصر أهمها وأوضحها تأثيرا، وكذلك المغرب والجزائر وهناك أمثلة أخرى في أميركا اللاتينية وآسيا وفي إفريقيا ولكن بحدة تفوق أية منطقة في العالم. إستجابة الدول والمجتمعات لهذه التحديات كانت مختلفة، ولكن في نهاية الأمر فإن هناك خمس أدوات مواجهة ضرورية لمنع هذا التردي الأخلاقي وتقليل آثاره.
بالطبع فإن الدين هو وسيلة دفاع رئيسية فالشخص الذي يخاف الله بالفعل وليس من خلال المظاهر الخارجية لا يمكن أن يقوم بإيذاء أحد عامدا وسوف يبذل كل جهد ممكن حتى لا تؤدي تصرفاته إلى إيذاء أحد بطريقة غير مباشرة. المجتمع الأردني يتميز بمظاهر دينية خارجية عالية الإنتشار وكلنا أمل في إنتشار الواعز الديني الأخلاقي كذلك. العائلة عنصر رئيسي في مواجهة التردي الأخلاقي من خلال التربية التي تشكل اساسيات الأخلاق الاجتماعية ولحسن الحظ أن المجتمع الأردني لا يزال متمسكا بالقيم العائلية.
الأمن من أهم مقومات النظام الاجتماعي وفي الأردن أثبت جهاز الأمن العام كفاءة عالية في إكتشاف الجرائم المختلفة ولا بد من التأكيد على أن إكتشاف قضية الطفلة التي تخلى عنها أبويها ليست مسألة سهلة أبدا وتحتاج إلى قدرة احترافية وعلمية وإدارية في غاية الكفاءة وهذا ما يجعل الأردن متميزا على العديد من الدول التي أبتليت بالسقوط الأخلاقي للمؤسسات الأمنية والتي أصبحت في بعض الحالات شريكة في الأخطاء وهذا ما يؤكد ضرورة تقديم كل الدعم المتواصل للأمن العام ليبقى رادعا أمام جميع المجرمين والمخطئين.
العنصر الرابع هو التشريعات وفي الواقع هناك ثغرات في التشريعات الأردنية تسمح أحيانا بتهرب المجرم من عاقبة أفعاله وخاصة فيما يتعلق بقضايا جرائم الشرف وأرتكاب المشاكل تحت طائلة السكر وغيرها من الثغرات التي لا بد من إغلاقها حتى تكون رسالة التشريعات الأردنية واضحة وهي عدم وجود تسامح مع الخطأ والجريمة.
أما العنصر الخامس فهو وجود مجتمع مدني قادر على مراقبة الأخطاء وحماية الصالح العام بعكس المجتمعات التقليدية التي تطغى فيها المصالح العائلية والمعارف الشخصية والتي تساهم أحيانا في تسهيل هروب المخطئ من العقاب. وقد إستمعنا إلى العديد من القصص المؤسفة حول قيام بعض الشخصيات المتنفذة ومنهم بعض النواب بالضغط من أجل إنقاذ أقارب لهم أو أصدقاء من تنفيذ العقاب الذي يسستحقونه بسبب الأخطاء التي أرتكبوها وهذا ما يبعث برسالة أخرى خاطئة إلى المخطئين مفادها أنكم إذا كنتم تملكون واسطات ثقيلة فأنتم بمأمن من العقاب وسوف تبقون فوق القانون، وهذا الأمر ينطبق ايضا على بعض التطبيقات للقانون العشائري التي تشكل مخرجا اجتماعيا للمخطئين من ضرورة تطبيق القانون بحقهم.
الأحكام العرفية الأخلاقية باتت مطلوبة في مجتمعنا وهناك حاجة إلى تغليظ العقاب والمراقبة من أجل الردع في المقام الأول ومن أجل العقاب وأن يعرف كل مخطئ بأنه سوف يدفع الثمن مهما كانت قوة شبكته الاجتماعية لأن البديل عن ذلك هو فوضى تتسبب في تهديد حياة المواطنين وكل مقومات الأمن الاجتماعي في الأردن.
............................................................
الكاتب يخص "عمون" بمقالات وهو كاتب من صحيفة "لدستور" الاردنية.