في الثقافة الشعبية الأردنية, يعتقد الناس أن الفاسدين يمارسون فسادهم على شكل شبكة أو أنهم يرتبطون ببعضهم بعلاقات شبكية, وفي حالة أخرى يرى الناس أن الفاسدين يتخذون شكل حبّات المسبحة, كلّ حبة ترتبط من جهتيها بحبتين تُمسكانها وتحفظان لها مكانتها, وفي الحالتين فإن الناس يستنتجون أن أهم عنصر هو الامساك برأس الخيط الذي ما إن تسحبه حتى "تَكُر" كل عناصره.
قبل أيام اشتكى رئيس هيئة مكافحة الفساد من سخرية الاعلام من الاعلان عن قضايا فساد صغيرة. وبالفعل إن الناس ينظرون الى الأمر هنا وفق علاقة "الجمل بالبرذعة" المعروفة, إذ رغم أهمية البرذعة النسبية لكنها لا تقارن بالجمل, إن البرذعة تفقد قيمتها بلا جمل, بينما يتمكن الأخير من العيش مستغنياً عن كل البراذع.
في فترات السكون التي يعيش فيها الفاسدون بهدوء, لا يسمى الفساد فساداً ولا تجري ملاحقته, وفي هذه الحالات يقول الناس عن الفاسد الصغير انه "دنّى نفسه" لمبلغ بسيط, وهو وصف يتضمن اعتبار الفاسد الكبير "رفع نفسه" أو "علاها", ولكن الناس لا يصلون في التمييز بين الصنفين الى هذا المستوى علناً, فيكتفون بالقول عن الأخير انه "هَبَرَ هبْرة" أو "هَبَشَ هَبْشة".
نمر الآن بزمن خاص, إن الفساد صغيره وكبيره صار مداناً بالمطلق, وقد شعر الناس بقدر من الجدية, وخاصة مع توقيف شخصية كبرى والاعلان عن إجراءات تحفظية على آخرين, ويأمل الناس أن البحث يقترب من رأس أو رؤوس الخيوط. ومن المرجح في هذه الحالة أن تتوقف السخرية تجاه كشف قضايا الفساد الصغيرة, لأنها حينها ستكون في موقعها الطبيعي.0
ahmadabukhalil@hotmail.com
(العرب اليوم)