يجب الاعتراف ابتداءً بان الحراك الشعبي في سورية احدث انقساماً في الساحة السياسية العربية عموماً والأردنية خصوصاً,وزادت حدة الانقسام حتى يكاد يكون شرخاً يهدد مسيرة الإصلاح ويعرقلها محليّاً وإقليمياً, وتطور الخلاف بشكل متصاعد من خلال التراشق الإعلامي, والمقابلات الفضائية والندوات السياسية, والمقالات الصحفية, ووصل الأمر الى المستوى الذي يبعث على القلق حتماً, اذا تحولت لغة الخطاب الى الاتهام بالتآمر والتعامل مع العدو, من خلال البحث عن كلمة هنا وهناك وتتبع العثرات وتكبير الأخطاء وعودة الى النبش المجتزأ في التاريخ بطريقة غير علمية ولا موضوعية.
من هنا لا بد من التفكير بإجراء حوارات هادئة في جو هادئ بعيداً عن التعصب والتزمت والتخندق واتخاذ المواقف الحادة, ومحاولة الخروج بموقف سياسي, يقف على المبادئ والقواعد العامة وثوابت العمل السياسي التي تنطلق من وحدة الوطن ووحدة الشعب, ووحدة القارب والسفينة التي نستقلها جميعاً, وأمور أخرى كثيرة مشتركة بيننا بكل تأكيد.
وفي هذا المجال يمكننا الاتفاق على مجموعة لا باس بها من قواعد منطقية, ونقاط مرجعية, تشكل أرضية مناسبة للحوار, وتشكل مرجعية للخلاف, في ظل النوايا الحسنة والجهود الوطنية المخلصة من اجل حل هذا الإشكال, ولذلك دعونا نتلمس بعض هذه القواعد.
أولاً: من حق الشعب السوري كما هو من حق جميع الشعوب العربية بلا استثناء إقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي ترتكز على إعطاء الشعب السلطة الكاملة في اختيار الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها.
ثانياً: الاعتراف ببدء مرحلة جديدة, تنتفي منها كل صفوف الاستبداد والانفراد بالحكم واحتكار السلطة, وانتهاء منهج الإقصاء والاعتراف بالتعددية وإرساء مبدأ تداول السلطة.
ثالثاً: المعارضة مهما كان لونها أو مذهبها أو اتجاهها الفكري هي جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الوطني, ومن حقها ممارسة حريتها الكاملة في التعبير السلمي عن آرائها وأفكارها, وبكل الوسائل الديمقراطية.
رابعاً: رفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشؤون الداخلية العربية, والسورية, وإبقاء الحل ضمن الإطار العربي.
خامساً: إدانة كل أنواع القتل والاعتداء وإراقة الدم الذي يجري في سورية من جميع الأطراف, وضد كل الأطراف الشعبية والرسمية, العسكرية والمدنية.
سادساً: السماح لوسائل الإعلام, ومؤسسات حقوق الإنسان والمراقبين العرب الدخول الى المدن والقرى السورية كافة والاطلاع على الحقائق كما هي, بلا تزوير أو مبالغة أو تهوين.
سابعاً: الاتفاق على ضرورة حماية الشعب السوري من الاعتداءات مهما كان مصدرها, والسماح بإدخال فرق الإغاثة والإسعاف والمستشفيات المتنقلة, لمداواة المصابين والجرحى.
ثامناً: السماح بالمظاهرات السلمية البعيدة عن العنف والتخريب والبعيدة عن العسكرة وحمل السلاح, وكل ما يؤدي الى الحرب الأهلية, وتمزيق المجتمع.
تاسعاً: الاتفاق على وحدة الأرض السورية, ومقاومة كل عوامل التقسيم والشرذمة لكل البلاد العربية.
عاشراً: الأوطان أكبر وأهم منّا جميعاً, أكبر من الأشخاص وأكبر من الأحزاب وأكبر من الجماعات وأكبر من الأنظمة, والأوطان باقية, وكل ما عليها إلى فناء.
الحادي عشر: التفريق بين المبادئ والأشخاص, والتفريق بين الأفكار والأنظمة, ويبقى الانحياز دوماً للمبدأ والفكرة.
الثاني عشر: الاتفاق على ميثاق وطني, يقوم على الثوابت السياسية, ويتكفل بإجراء الإصلاح الحقيقي الجذري الذي يلبي طموحات الشعب السوري بالحرية والكرامة والإرادة الشعبية الجامعة, ويحفظ حق الأقليات ويعترف بالتعددية, خلال مدة محددة, تحقن فيها دماء الشعب السوري, وتنتقل الى مرحلة الديمقراطية التي تكفل حق جميع مكونات الشعب السوري بلا استثناء.
إن مطالب الشعوب العربية في جميع أقطارها تكاد تكون واحدة أو متقاربة, لذلك ما نطالب به في مصر أو تونس أو الأردن, هو ما نطالب به في سورية, بلا تمييز, وما نرضاه لأنفسنا, نرضاه لغيرنا ويمكن أن يكون المدخل أو العنوان لنا جميعاً "إصلاح حقيقي بلا تدخل أجنبي". ثم بعد ذلك دعونا نضع النقاط على الحروف دون كيل للاتهامات, ودون تجريح ودون خروج على قواعد الحوار السياسي الوطني.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)