أبناء البادية الأردنية شرف الانتساب وعمق الولاء .. بقلم : فيصل الفايز
فيصل الفايز
18-09-2007 03:00 AM
تعتبر البادية الاردنية احدى الروافد المهمة في الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي الاردني منذ تأسيس الامارة ومن ثم اعلان المملكة الاردنية الهاشمية حيث كان ابناء البادية على الدوام في طليعة المدافعين عن بلدهم الاردن وترسيخ استقلاله كما كانوا ايضا من المجاهدين في فلسطين وسقط منهم كثير من الشهداء.وعلى الرغم من امتداد الرقعة الجغرافية للبادية الاردنية وانتشار قبائلها في شمال ووسط وجنوب المملكة فقد كان ابناء البادية حاضرين دوما في كل مراحل البناء والانجاز والتعزيز لاستقلال الاردن وهم في طليعة من قدموا ارواحهم - الى جانب ابناء العشائر الاردنية والحمايل من شتى انحاء الاردن - فداء للاردن وليبقى هذا الوطن آمنا ومستقرا.
منذ قدوم الملك المؤسس الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه وقف ابناء البادية الى جانب الحق والثورة العربية الكبرى وهم من صدوا هجمات من كانوا يريدون شرا بالاردن في العشرينيات من القرن المنصرم. وقد سادت ثقافة الاقدام والبطولة والنخوة بين ابناء العشائر الاردنية من البادية والريف والمدن وما ذلك الا دليل انصهار القيم الاخوية بين ابناء الاردن؛ فاليوم نحن نفاخر بأن من بين ابناء البادية الاردنية من وصلوا الى اعلى المراتب في السياسة والنيابة والاقتصاد والحياة الاجتماعية كما كان من بينهم من اسس حزبا سياسيا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي يوم كان لا وجود لبعض الاحزاب السياسية التي نراها اليوم ومن هؤلاء الذين اسسوا احزابا جدي المرحوم مثقال الفايز ومنهم من وصل الى اعلى المراتب العسكرية. اما الحديث عن ثقافة اهل البادية فيجب على كل من يتحدث بذلك ان يعرف ان ثقافة اهل البادية تنبع من قيم اصيلة وهي متوازية مع التعليم. لم يتوان ابناء البادية عن طلب العلم في انحاء المعمورة، على الرغم من صعوبة الاوضاع قبل عشرات السنين، فلذا تجدهم - ليس اليوم فقط - بل منذ عشرات السنين في كل العلوم والمهن ولهم اسهاماتهم الكبيرة في هذا المجال. والعشائر الاردنية كان لها، وما زال، قيمها وأخلاقها الحميدة فليس كل ما في العشائرية سلبي بل ان النقاط الايجابية التي يجب ان نعظمها في العشائرية هي اكبر من الصورة السلبية التي يحاول البعض الصاقها بعشائر الاردن عبر اخذ بعض الامور خارج سياقها ثم تعميمها.
ولا يستطيع احد ان ينكر انه كما كان للعشائر الاردنية دورها البارز في حماية الاردن واستقلاله كان لها ايضا دورها البارز في الجهاد مع اخوانهم المجاهدين الفلسطينيين منذ بداية انطلاقة حركة النضال الفلسطيني وهناك مئات الشهداء ممن سقطوا دفاعا عن فلسطين كما يشهد كثيرون على عشرات الحالات من قيام ابناء العشائر الاردنية بمد اخوانهم في فلسطين بالسلاح والمؤن وحتى حمايتهم في الاردن عندما كانوا يفيئون اليها هربا من بطش الاحتلال الانجليزي والعصابات الصهيونية آنذاك.
نحب دوما ان يكون الاردن في مصاف الدول المدنية الحديثة، ولكن ذلك لا يكون بالانتقاص من قيم وثقافة وتراث ابناء العشائر الاردنية لان هذه العشائر واحدة من صمامات الامان في المجتمع الاردني واحدى دعائم العرش الهاشمي وكل محاولة للايقاع بين فئات وابناء المجتمع الاردني ستبوء بالفشل لان هذا المجتمع اقوى من كل الادعاءات وهذه المحاولات التي هي امتداد لنظريات تطبخ خارج الاردن هدفها تشتيت انظارنا وتحويل انتباهنا عن هدفنا الاساس وهو بناء الاردن الدولة العصرية دولة كل مواطنيها بشتى منابتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وحماية بلدنا من تداعيات ما يجري من حولنا، والوصول الى مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات. ورغم ضعف الامكانيات الا ان للاردن موقعه المتقدم على مستوى العالم وكل ذلك بفضل مساعي جلالة الملك عبدالله الثاني وقبله المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه والتفاف الشعب الاردني بكل مكوناته حول العرش الهاشمي. ورغم ذلك فما زالت فئة قليلة - نرجو الله ان يصلحها - تحاول دوما المس بكل ما هو جميل وبكل ما هو ايجابي في الاردن وهذه الفئة ليست من حزب واحد او تيار معين بل انها ممتدة عرضيا في كل الاتجاهات. وقد آن الأوان لذوي الحكمة في كل احزابنا وتياراتنا الفكرية ان يُعمِلوا العقل وينبذوا كل المقولات المشبوهة التي تحاول الانتقاص من بلدنا ومكانته وانجازاته فهي في النهاية تصب - سواء عن قصد او بدون قصد - في خدمة قوى اقليمية وغيرها ممن لا تريد الخير للاردن وتحاول ان تمرر بعض سيناريوهاتها التي عجزت في السابق عن تمريرها وفي مقدمتها التوطين والوطن البديل عبر بعض الادعاءات والاقاويل التي لا سند منطقياً او علمياً لها، وللأسف فان بعض المقولات التي انطلقت مؤخراً من افواه بعض الحزبيين تصب في النهاية، في نفس الخانة لأن شق الناس واثارة الفتن مقدمة لضرب عرى الوحدة الوطنية واللحمة الداخلية الاردنية فمن يسئ الى ابناء العشائر الاردنية اليوم سيسيء غداً لابناء العائلات التي هاجرت الى الاردن من دول عربية مجاورة وبالتالي، واذا اخذنا الامر على استقامته، فان أي دعوة عنصرية او نزعة استعلائية او تمييز الناس عن بعضهم بعضاً فانها في النهاية تصب في نفس الهدف وتخدم تلك المخططات.
كما ان من الواجب تذكير البعض من اصحاب الاصوات العالية الذين يقولون بأنهم حموا الدولة بأن الدولة هي التي حمتهم في حين رأينا الى اين آل مصيرهم في بلدان عربية اخرى، وكيف كان الفرق بين تعامل الدولة الاردنية معهم ومع من استجار بالحمى الاردني وكيف كان تعامل تلك الدول مع دعوتهم واللبيب من الاشارة يفهم.
انني ادعو جميع اخواني في التنظيمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الاردن ان يغلبوا لغة الحوار والعقل بينهم وان لا يسمحوا لكل من هب ودب ان يفتي او يعطي احكاماً قيمية على الناس لأن مردودها السلبي سينعكس عليهم اولاً ولن يفت في عضد الدولة او عشائرها او ابناء الطيبين المخلصين لبلدهم المؤمنين بقيادتهم التي تحظى بشرعيات عز نظيرها والتي هي صمام الأمان في الاردن.
ابناء العشائر الاردنية جزء اصيل من مكونات المجتمع الاردني وقفوا الى جانب حق دولتهم في السيادة والاستقلال وكانوا دوماً مثالاً للأقدام والبطولة والعمل والثقافة وهم اصحاب حنكة ومواقف يشهد بها الجميع ولن يطاولهم أي دعيّ او متهافت على الاضواء او ساع الى شهرة.
قال تعالى: فأما الزبدُ فيذهبَ جفاء وأما ما يَنفَعُ الناسَ فيمكثُ في الارضِ كذلك يضربُ اللهُ الأمثال (17) (سورة الرعد).
................................
عن "الرأي" .