في ذكرى ملك يختزل عنفوان النص
5 /6ــــــــ 10
محمود الزيودي
31-01-2007 02:00 AM
واضيف لاختزال عنفوان النص :
في الثمانينات من القرن الماضي كنا نتداول نادرة فني الصوت المخضرم في التلفزيون الاردني ... احمد الرواد ... جاء الى الديوان العامر مع المصور لتسجيل كلمة للحسين . في ذلك الحين كان الصوت يسجل منفصلا عن الصورة .. خلال حديث الحسين اشتبك الشريط داخل الجهاز وتوقف التسجيل الصوتي .. صرخ احمد الرواد يخلط بين اصطلاحات التصوير ولهجته المعانية ...- ستوب .. الجهاز وقف .. التسجيل تعطل ..
استرخى الحسين واخرج سيجارة ..
- ما في مشكلة يا شباب .. صلحوه على مهلكم
قال احمد الرواد وهو يحاول اخراج الشريط من الجهاز
- بس يا سيدي .. لازم تعيد الكلمة من اولها
اجاب الحسين مبتسما
- حاضر .. نقرا من اول لابو جديد .. على مهلكم
* * *
ذات حين في احد فنادق القاهرة طرق باب غرفتي مسرحّيان عربّيان .. قالا لي لم نأت للحديث عن المسرح .. وردد احدهما : ما هي قصة الملك حسين ؟؟ واندفع الاخر
- شاهدنا عودته من العلاج .. كان يجلس على ظهر السيارة وسط الاف البشر
- قلت : وسط الملايين
- كان هدفا شبه متحرك
قلت : كان هدفا لمحبة شعبه وفرحتهم بعودته
- نحن شاهدنا صوره في الاخبار .. كم بقي على ظهر السيارة ؟
قلت : اكثر من ساعتين قطع خلالهما حوالي اربعة كيلو مترات من المطار الى بيت الملكة الوالدة .. فقد بدأ بزيارتها اولا وتقبيل يدها
- كيف صمد كل هذه المسافة وسط بحر متلاطم من البشر ؟
..وبدأت اتحدث مستعينا بذاكرتي عما قراته وسمعته عن عفو الحسين وعلاقته بشعبه . ونسيت مع الزائرين المسرحيّين موعد العرض المسرحي في المهرجان تلك الليلة ..
وحديث العفو متصل لا ينقطع من عهد عبدالله الاول الى عهد عبدالله الثاني .. فالذي سمح لمجلة وجهات نظر ( بتحريف محمد حسنين هيكل للحقائق ) ان تعرض في مكتبات الاردن .. لم يمانع ان يقوم موسى حجازين بتقليده على المسرح .. ولم يزل العرض مستمرا .. وكان ولم يزل العفو قائما .. فاحداث التمرد المّنظم في السجون بثت في حينها .
.....................................الحلقة 6
في مراسم الصلح العشائري على الدم .. تطلب الجاهة تنازلا من اهل القتيل .. المسامحة الاولى لله عز وجل ولرسوله الكريم .. والثانية للملك ..
* * *
من جديد تبدأ ملك يوسف التل بحثّ الذكريات على البوح بقصص العفو التي تبدأ ولا تنتهي ... والرواية لليلى شرف عن الحسين بن طلال :
كنت مرة في زيارة اربد فرايت رجلا يناديني يا سيدي . يا سيدي . حاول الحرس منعه رغم اني كنت انبههم دائما بألا يمنعوا وصول الناس اليّ . فأمرتهم ان يفسحوا مجالا للرجل وسألته ما به فأجاب : يا سيدي ابني في السجن اريد ان تطلقه رحمة بي فسالته " ما الذي ادخله السجن ؟؟ تردد الرجل صامتا ، سالته مره ثانية وثالثة : فقال : شتم المقامات العليا, فقلت له ماذا قال حرفيّا ؟ ولكنه ايضا لم يجب ، فالححت عليه بالسؤال حتى قال : يا سيدي شتم اباك . فاجبته من فوري : ان شتيمته مردودة عليه ، والتفت الى رئيس الديوان ومسؤولين اخرين وقلت : اطلقوا الولد .. انا اخذت حقي بنفسي ...
المفاجات كانت احيانا تصدر عن المقرّبين للملك بقصد او بغير قصد ومع ذلك كان الحسين يتعامل معها بسعة صدر مترفّعا عن صغائر الامور .... يروي عون الخصاونة ان الملك في طريق سفره الى مايوكلينيك كان يرتدي قميصا وبنطالا . يومها اخرج من جيبه ورقة . وقال لي اقرا . ولما قراتها كان مكتوب فيها ( الملك الحسين ..... من كثرة تناوله الادوية ) ثم سالني ما رايك ؟ قلت : يا سيدي لا تزعل فالامام جعفر يقول : لا ترفعوا الناس فوق اقدارهم وانت رفعت هؤلاء اكثر مما يستحقون . فاعاد الورقة الى جيبه ... كان ذلك الشخص مسافرا مع الحسين على الطائرة نفسها . ومع ذلك صافحه وكان شيئا لم يكن.
وافق الحسين على تعيين رجل في منصب .. وصدرت الهمهمات ان الرجل تطاول على العائلة الشريفة والبلاد ...... اجابهم الحسين ( الفرق بيني وبينكم ان الصالح والطالح محسوب علي ؟؟ فان كان لديك ولد عاقّ ، فماذا ستفعل به ؟ .. انا مظلّة للجميع .. سواء كانوا معي او ضدي ، فاذا قسوت عليهم اين سيذهبون ؟ لا استطيع ان اعاقب هذا الشخص ) ......
لهذا الموقف تداعيات كثيرة ... فالذين غادروا البلد لخلافهم مع الملك ، عضتهم الغربة بأنيابها . يعود قاسم الناصر من سوريا متسللا على حصان . يقبض عليه بين الحصن وايدون ... يزوره الحسين في السجن .. يلاطفه ويقدم له سيجارة .. وفيما بعد يعفو عنه ويعود لوظيفته حتى يصبح مديرا للدفاع المدني ...
تستبد الغربة بعلي ابو نوار ويقرر العودة الى الوطن .. يحذره جمال عبد الناصر
- هذه مخاطرة ، واخشى ان يشنقك الملك حسين
- يوكد علي ان الحسين لن يشنقه .. وفي عمان لن تكون هناك قيود على حرية رايه تفرضها الضيافة كما هو الحال في مصر .. يحاول عبد الناصر ثني علي عن محاولة العودة .. ولكن علي يصرّ ويكتب الى الحسين طالبا ان يسمح له بالعودة الى الوطن ... خلال اسبوعين يصله الرد .. ليس كتابا .. ولا سفير الاردن في القاهرة .. بل رجلا من العائلة الشريفة .. ومن اعز رفاق الحسين ... الامير زيد بن شاكر ( الشريف انئذ ) .. في اطار الصورة لا بد ان نذكر ان المرافقين العسكريين حملة النجوم القليلة على الاكتاف من الضباط الاقرب الى الحسين في ليالي التخطيط لتعريب قيادة الجيش وابعاد ابو حنيك خارج البلاد .. هم : زيد بن شاكر .. علي ابو نوار .. مازن العجلوني .. منذر عناب ..
يعود علي ابو نوار الى عمّان بعد غربة .. ومثله الكثيرين ممن لا يتسع المجال لسرد احداث خروجهم وعودتهم بعفو الحسين وتسامحه .. ترى هل عادوا محكومين بالاقامة الجبرية في منازلهم بعمان ورام الله ونابلس وجنين واربد ومادبا والكرك والسلط ؟؟ .... قالوا في مذكراتهم المكتوبة وشهاداتهم في الصحف انهم عملوا في الوظائف العامة ,, وزراء ومدراء عامين وسفراء للاردن في دول عربية واجنبية .. في ثنايا الذاكرة .. قام الملازم عسكر عودة قائد مقاطعة الجفر بمحاكمة الجندي ( من اصل عراقي .. ميراث كلوب باشا ) عايش حدري لانه اعتدى على المعتقل الدكتور يعقوب زيّادين في معتقل الجفر .. واستقبل الرقيب جزاع الدريبي قائد مخفر باير كل من الدكتور نبيه ارشيدات وضيف الله الحمود معتقلين في باير ...... لم يضعهم في السجن . بل تناوب اكرامهم مع الحويطات المقيمين حول باير .. ودرّبهم على ركوب الجمال .. والتصويب بالبندقية ........ ونزهات في الصحراء بين القيصوم والشيح والبعيثران ..... وفيما كان نبيه ارشيدات يراوح بين البيت والسجن والهروب خارج الوطن .. كان والده عبد الرحمن ارشيدات عضو مجلس الوصاية على عرش المملكة بعد مرض الملك طلال .. أي وطن هذا ؟؟؟ واي نظام حكم ؟؟؟؟ لماذا لم يعتقلوا نصف عائلة الرشيدات بما في ذلك الحرّاثين والحصّادين ويضعونهم في السجن كما يحدث في بعض دول الوطن العربي ؟؟