ملك يختزل عنفوان النص
4 ــــــــ 10
محمود الزيودي
31-01-2007 02:00 AM
وذات شتاء ايضا وجميع الطرق مغلقة بسبب الثلوج الغزيرة يتفقد بعض افراد العائلة من البنات الاميرات في الحمّر .. ويصر على الذهاب الى الكمالية لزيارة سعدية التل .. يخبروه ان الطرق مغلقة .. يصر قائلا : هذه السيدة كبيرة في السن ووحيدة في البيت فيجب ان اصلها للاطمئنان عليها ... اغلب الاردنيين شاهدوا الحسين خلال الثلوج في عمان وفي جميع مناطق الاردن التي تعرضت لانقطاع السبل بها . وليس اجمل من نزوله الى احد الخنادق في مواقع قوات الحجاب الامامية ليكون مع الجنود المرابطين فيه .. والبرد قارس والثلج يهطل بغزارة .. يمشي مسافة اربعين كيلومترا في منطقة سد السلطاني الذي داهمته الفيضانات ..يكمل سليمان الهباهبة قائلا: كان ذلك في شهر رمضان المبارك وقد غابت الشمس ولم يكن بحوزتنا أي نوع من الطعام ... ولم يكن في حسباننا ان تتحول رحلتنا الى معاناة شديدة ... اخذ منا التعب ... اختلط علينا تحديد الاتجاهات بعد ان هبط الليل اقترح جلالته ان نمضي ليلتنا في محطة سكة الحديد قرب سد السلطاني ... كان قد رفض ركوب طائرة الهيلوكبتر التي طلبناها دون علمه وامر طيارها بالعودة الى عمان قائلا : ( انا ما بترك ربعي ) ... في بيت الحارس الذي لم يعرف انه يستضيف الملك بدا يشكو الحكومة التي لا تعرف شيئا عن اوضاع الناس ، كان الحسين يستمع للرجل وهو يضحك . ثم سأله عن سد السلطاني ... اجاب الرجل : ( سد السلطان البين يسّده .. والله قش الطحينات ) فيما بعد تعرف الرجل على الملك واعتذر له وكانت اجابة الملك ضحكة كبيرة .. و .... توكل على الله .
وذات حين يمر الموكب الملكي ما بين الدوار الثالث والرابع في جبل عمان وعلى جانب الشارع المقابل تصطدم عدة سيارات ببعضها .. يطلب الحسين من عواد المساعيد نقل المصابين الى المدينة الطبية وأصلاح السيارات المتضررة على حسابه .. وهو يعرف انظمة الشرطة في مخالفات السيارات المتسببة في الحوادث ويطلب عدم مخالفتهم ... ويفسر لعواد المساعيد ان الموكب الملكي لا بد ان يكون السبب.. فقد لفت انتباههم بشدة مما ادى الى حادث السير الجماعي ... وفي حالة مماثلة في الدنمارك . انزلقت دراجتان امام موكب الحسين فيرسل نجله الامير علي الى المستشفى الذي نقل اليه السائقين محملا بالهدايا للاطمئنان عليهما ........ انتشر الخبر وترددت تعليقات دانماركية كثيره في وصف الحسين وعلق احد المسؤولين هناك ( انكم محظوظون بملك انسان وهو ما تفتقده بلدان كثيرة )
في البدايات اصّر على تعلم الطيران رغم ممانعة الحكومة وممانعة العائلة الشريفة .. ورغم محاولات مدربه الكابتن جوك دالجليش اخافته عندما تشقلب بالطائرة في سماء عمان .. وفيما بعد يرد للحكومة الصاع صاعين .. ياخذ مجلس الوزراء في رحلة بالطائرة ويثبت لهم انه طيار متمرس . يتشقلب بالطائرة ويهوي بها حتى يتجمد الدم في عروقهم ... ومنذ ذالك الحين تصبح الطائرة وسيلته السريعة للوصول الى الفقراء في وادي رم والمنكوبين في عجلون والرويشد والصفاوي
* * *
من بين مسؤولياته المتشعبة كملك يجد وقتا للحديث مع ابناءه واحفاده .. فرصة قصيرة يروي فيها لهم القصص او يصحبهم في جولة بشوارع عمان .. احيانا يرسلهم في زيارة الى البوادي .. لم يزل ابناء فيصل ابن جازي يحتفظون بصورة عبدالله وفيصل وهاشم وحمزة وعلي .... اطفالا تملأهم الفرحة وهم يجلسون في بيت الشعر الكبير .. يتاملون الحياة اليومية لبدو الحويطات في الحسينية والرشادية واذرح والجربا .. وكنت قد نشرت هذه الصور في برنامج تلفزيوني في الذكرى الاولى لوفاة الحسين ... لم ازر بيتا اردنيا في البادية والريف الا وجدت صورة الحسين مع العشيرة.. واحيانا كان الغبار واضحا بين الاقدام وهو يسير باتجاه عيادة الصحة والمدرسة الابتدائية .. وبيت ارملة فقيرة عرف عن حالتها قبل ان يأتي للزيارة ...
من بين تلك المسؤوليات يتذكر من حديث عارض مع الشريفة زين بنت ناصر بن جميل انها ستضع مولودها في السابع عشر من كانون الثاني كما يتوقع الاطباء .. وفي ذلك التاريخ عندما افاقت من اثر المخدر وجدت الحسين الى جوار سريرها .. كان في العقبة وتذكر 17 كانون الثاني وعليه ان يكون الى جوار زين بعد وفاة
والدها .... وفيما بعد يمازحها على المنسف ( ارفعي ايدك لا تزفرينا ) ويمازح عالية الفيصل مقلدا لهجتها ( مو ) بدلا ( مش هيك ) ويروي له ابو جابر نكتة الهوية وجواز السفر فيضحك بعد ان يسمعها من ابو جابر ثم يقول له سمعتها اكثر من مرة .. في موقف اخر شر البلية ما يضحك .. فالبلاد في ازمة الخمسينات .. يصحو من النوم بعد ليلة متعبة .. يسمع من خاله الشريف ناصر ان قائد الجيش الجديد جدا هرب الى سوريا .. يسال لماذا لم توقظني ؟ يجيبه الشريف ( لم ا كن اعتقد ان امرا كهذا يستحق العناء ) ومرة اخرى اترجم من صياغة ( فريدون صاحب جم ) الذي صاغ كتاب مهنتي كملك .. اترجم للاردنية ..
- ليش ما صّحيتوني ؟
- ما فكرنا انه اشي يستاهل نصّحيك مشانه ؟
وانفجر الحسين بالضحك .. وشر البليّة ما يضحك
يروي علي الفزاع ان الحسين ترجل من سيارته وصادف وجود جنايني ينكش على الورد ويسقيه .. مد الحسين يده للجنايني مصافحا .. ارتبك الجنايني بيديه الملطختين بالطين وقال ( يا سيدي يداي ليستا نظيفتين ) .. ويرد الحسين ( مد يدك فهي اليد النظيفة ) ...
في الثمانينات تنشر جريدة السياسة الكويتية صورة للحسين في مطار الكويت يمد يده لقائد حرس الشرف مصافحا .. يرتبك الضابط الكويتي وهو يسرع في محاولة خلع القفاز من يده .. ينتظر الحسين حتى تتحرر يد الضابط من القفاز .. تعلق الجريدة على الصورة بكلمتين ( اخلاق ملك ) ... والملك باخلاقه يخاطب مامور مقسم الديوان الملكي الهاشمي بقوله ( بدي اغّلبك اطلب لي ) ...واضيف لاختزال عنفوان النص : حينما قرر انهاء خدمات الباشا ابو حنيك من الجيش .. ذات صباح واليوم جمعة .. اخذ معه احد مأموري مقسم الديوان .. طلب اليه ان يستلم مقسم رئاسة الوزراء . وان يمنع المكالمات الصادرة والواردة . فهو يعرف علاقة بعض الوزراء بالجنرال .. وكان الظن في مكانه . فبعد ابلاغ الرغبة السامية للمجلس صفق احد الوزراء يديه وقال .. والله هذا انقلاب ...