أبتداءاً متوجب علينا الوقوف على معنى الأنتماء ومعنى الولاء ، ولكي نحقق ذلك فالمتوجب العودة لما استقر عليه علماء الأجتماع ،ففي دراساتهم وبحوثهم توصلوا الى القول بان الأنتماء هو ( حالة الأنجذاب الشديد نحو الجذور )بمعنى التعمق الشديد في العلاقات الأنسانية من خلال التواد والتراحم وترسخ ذلك في الضمائر والوجدان ،وتبرز حالة الولاء بجانب الأنتماء ليكونا وكأنما شيء واحد حين يشتد عند الفرد الأخلاص في العمل تجاه الجهة التي ينتمي اليها ذلك الفرد ،وبهذا يصبح منتمياً وموالياً في أن واحد .
وأهم ما استقر عليه راي العلماء هو التأكيد على أن الأنتماء والولاء يمارسهم الأنسان وفق تدريج يبتديء فيه بأمه ،وبأبيه ،ثم بأسرته ،ومن بعد بعائلته ،فالعشيرة ثم القبيلة ومن بعد بالمجتمع الوطني وبالأمة أخيراً ، لكنهم أكدوا على أن أكثر حالات الأنجذاب في الأنتماء والولاء هي للعائلة لأحتوائها على ما سبقها حتى وإن كانت عائلة ممتدة .
بصرف النظر عن تعدد المشاعر ودرجة تفاعلها في النفوس لما يليها لكن علماء الأجتماع ألمحوا الى أن مشاعر الأنجذاب هذه للعائلة تكون في أعلى درجاتها حين يواجه العائلة حدث من الأحداث التي تستوجب الوقوف حسب أهمية الحدث وتأثيره في مسيرة العائلة ومكانتها ،حيث قالوا بأن الفرد يعود منتمياً وموالياً بكافة مشاعره وأحاسيسه حيث تزداد حماسته تألقاً واندفاعاً ،وقد ثبت بان العاملين (الأنتماء والولاء) يكونان أكثر تفاعلاً وأختلاطاً عند الناس بصورة جلية أمام تلك الأحداث .
صحيح بأن الظروف ذات متغيرات حين تختلط بهذين العاملين مفاهيم جديدة ورؤى مستجده من شأنها ابتعاد أفراد العائلة عن بعضهم وتشعب مصالحهم ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه عليهم في الحال هو :اليس بالأمكان الوصول لحالة أنتماء وولاء في ظل مثل هكذا ظروف تستدعي هذا الأنتماء وذلك الولاء ؟.
في يقيني بأن ذلك ممكن إذا وجد من بين أبناء العائلة من يؤمن عن قناعة بأن الأنتماء والولاء عاملين أصيلين رضعهما كل واحد فيهم من أثداء أمه ، وأمثال من يؤمنون بهذا هم الأوفياء والشرفاء الذين تعيش هذه الحالة في ضمائرهم ولم ثؤثر بهم كل المتغيرات .
ولكن ولكي نكون صادقين مع أنفسنا فالمتوجب ان نعترف بأن مثل هذه المشاعر قد تخمد أو تجف ، ولكنها وتحت تأثير المشاعر الأنسانية المتوازنة سرعان ما تستيقظ ،لأجل هذا فأن وقوع حالة تصادم أو سوء فهم او عدم تكيّف مع المحيط العائلي ،كل ذلك يستدعي ضرورة إعادة التقييم ، وتقع مسؤولية ذلك على عاتق المخلصين من ابناء العائلة الذين يؤمنون بضرورة التمسك والثبات على حالة الأنتماء والولاء للعائلة ،وهولاء سرعان ما يشعروا عند خروج فرد او جماعة عن خط الأنتماء والولاء ويباشرون برأب الصدع بين أناس يرتبطون بعلاقة الدم من منطلق إيمانهم بأن العائلة هي جسد واحد ذو هيكل واحد ، والحري بأن يبقى الجسد والهيكل في أعلى درجات التوازن كي يرى أبناء المجتمع المحيط بالعائلة هذه الصورة الفضلى التي تمثل دوماً متلاً أعلى في كل الأفعال مما يحقق للعائلة زيادة في ارتفاع مكانتها والمحافظة على قوتها ،، ويقيناً فأن ذلك سوف يكون باستخدام العقل بعيداً عن العواطف الأنفعالية وبعيداً في نفس الوقت عن الأنانية وحب الذات .
وتحقيقاً لذلك فأنه لا بد من تخطيط يشتمل على فن الأتصال المؤدي لارتفاع درجة الثقة بين الجميع ،وهو محتاج كذلك لفن الأقناع باستخدام وسائله الضرورية ، والى ضرورة بأن يدرك كل واحد مصالح غيره ويقدرها ويوزنها بنفس المقدار والميزان الذي يوّزن فيه مصالحه الشخصية ، أي أن يكون التعامل الفردي بنفس التعامل الذي يريده الفرد الواحد لنفسه ، بمعنى ان يحب كل واحد لأخيه وأبن عمه ما يحبه لنفسه .
إن مثل هذه الصورة إن هي سادت فأنها ستخلق جواً من الشعور بالأنصاف والعدل .. وكل هذا يحقق بالنتيجة أهمية الأنتماء والولاء للعائلة ..و سيحقق الأنتماء والولاء للمجتمع الوطني وللأمة أخيراً .
فهل هذا ممكن ..... ومتى ؟
..........................................................................................
الكاتب محام وناشط سياسي.