ما أن أذيع نبأ اغتيال الشيخ عبد الستار أبو ريشة حتى تناثرت الاتهامات في محاولة بائسة لتوزيع دمه بين القبائل , ذلك أن الرجل الذي نجح في تطهير الانبار من إرهابيي القاعدة , وأعاد رسم خارطة القيادة السنية التي كانت نأت بنفسها عن العملية السياسية ليصبح الزعيم السني الاول في إحراز ( انتصارات ) , متحالفا مع الاميركيين الذين وصلوا في نهاية الامر إلى التعامل معه كحليف مستقل ,والذي لم يكن لاحد ان يسمع باسمه خارج اطار عشيرته ومنطقته ,لولا انجازاته على الارض , كان مقدرا له أن يكون زعيما وطنيا وليس مجرد قائد عشائري في الانبار, وإذا كانت الاتهامات تناثرت فان لكل منها سندا إذ أن المنطقي أن تسعى القاعدة لاغتياله لتوقف المد العشائري السني المعادي ، كما انه منطقي ان تعارض بعض الجيوب الرسمية في مفاصل الدولة المثقلة بالصراعات على الحكم تسليح العشائر السنية وقدم كل من موزعي الاتهامات ما اعتقد أنها ادلته , فمن اتهم القاعدة قال إن الرعب تملكها من انتشار تأثيره إلى المناطق السنية الواقعة تحت سطوة ارهابها , فلجات إلى اغتياله بعد فشلها في تشويه سمعتة , أوإثارة عشيرته ضده، ليكون الخامس بين إخوته من بين ضحاياها , مثلما أن ارهابييها فشلوا دائما في احراز أي انتصار ضد قواته المكونة اساسا من أفراد عشيرته الذين يدينون بالولاء المطلق له , البعض الاخر اتهم حكومة المالكي استنادا إلى اعتراضها على تسليح قواته،وخطورته المستقبلية ، في حين وجه البعض إصبع الاتهام إلى قادة المعارضة المسلحة السنية لأنه شوه سمعتهم , وكبر بدوره على أدوارهم
والسؤال البديهي من هو المستفيد من مقتل الشيخ الذي تحول بين ليلة وضحاها الى مشروع حل للازمة العراقية بعد انتصاراته التي دفعت الرئيس الاميركي لزيارته في معقله في سابقة لم يحظى بها قائد عراقي من قبل وأفضت إلى تكريسه زعيما للأنبار، مرشحا بجدارة لتجاوز دوره القبلي ، ولعب دور أكبر على الصعيدين العربي والدولي متحررا من الطائفية وملتزما بالدفاع عن التراب العراقي بغض النظر عن طائفة من يعيش فوق ذلك التراب , ولعل في قول بوش له انه حول الأنبار من قصة فشل، الى قصة نجاح ما استثار مشاعر العداء لكثيرين خمنوا أن هناك انقلابا لغير مصلحتهم في السياسات الأميركية بالعراق.
والجواب البديهي , ما أكثر الاعداء , انهم ليسوا ارهاب القاعدة فقط , وان كانوا العدو الاول للشهيد , بل هم المتضررون من نجاح تجربة الأنبار , والمنتفعون من عودة الفوضى اليها وهم منتشرون بين الداخل والخارج, إنهم الذين يحاربون الفكرة قبل محاربة الرجل , وهم الذين حجمهم ابو ريشه من خلال قدرته على فرض الامن والنظام في منطقته مسلحا بايمان عميق وارادة صلبة اتاحت له الوصول الى الهدف المستعصي على الاخرين .
ويشكل إلاعلان الاميركي أمس عن اعتقال فلاح خليفة هياس الجميلي العنصر في القاعدة والمسؤول عن اغتيال الشيخ أبو ريشة في عملية دهم قرب بلد شمال بغداد , بناء على معلومات استخباراتية تؤكد تورطه في المؤامرة دليلا ساطعا جديدا على أن ارهاب القاعده هو العدو الاول للعراقيين سواء كانوا شيعة أو سنة , كوردا أو عربا, مسلمين أو مسيحيين , متدينين او علمانيين , من ابناء المدينة أو من ابناء الريف, مثلما يشكل دعوة للصحوة توجه إلى كل الذين خدعهم هذا التنظيم الارهابي بزعمه العمل من اجل مصلحة العراق .
لم يكن الشيخ ابو ريشه ظاهرة طيارة من التي برزت في العراق بعد سقوط نظام صدام والبعث , ولم يكن مناورة تنتهي بتسليم المنتصرين فيها شهادات التفوق , كان فكرة تعيش في عقول معظم العراقيين بغض النظر عن من ينفذها , وكانت فكرته أملا يراود تطبيقها الشرفاء من أبناء الرافدين , كيف لا وهو الطامح إلى فرض النظام الذي مايزال ضائعا منذ اربعة سنوات , وهو الساعي إلى طرد الغرباء الراغبين بسرقة انتصار العراقيين على دكتاتورية صدام والبعث لاحالته انتصارا لقوى الظلام والتخلف والاستبداد والنهب , غير أن المهم جدا أن يعي الذين اغتالوا أبو ريشه بخسة متناهية أنهم لم ولن يبلغوا هدفهم , ففكرته قائمة وقابلة للتنفيذ, وستجد الرجال القادرين على تحقيقها حتى النهايه .