بين من يستحق ومن لا بستحق
فايز الفايز
17-09-2007 03:00 AM
أعتقد ان الكثيرين من أبناء الوطن يعرفون المغفور لهم إن شاء الله حابس المجالي ، وعاكف الفايز ، بعدما نضبت ينابيع الذاكرة الوطنية !هاتان الشخصيتان الوطنيتان ليستا في محل إغداق المديح في ذكراهما الطيبة ، بل سأضربهما مثلا هنا ، فالباشا الأول ، قال لوالدي يوما من الأيام السالفة أثناء جاهة في بيته في الكرك الشّماء : تتذكر عندما حاولوا شرائي ـ يقصد جهة خارجية ـ وبعثوا لي بشيك محرر بمئة الف دينار ، فمزقته ورميته في وجه الوسيط ؟ ، اليوم ، والحديث للراحل الكبير ، لا أملك ربع ذلك المبلغ ، ولو كنت مثل بعض الناس ، لكنت صاحب إمبراطورية مالية اليوم .. ثم تركنا الباشا مع ذكراه العطرة ، وتفاخرُنا بشخصه البطل الوطني ، لم يخلف إمبراطوريات استثمارية ، ولا ودائع مالية ، بل غادر الدنيا ، والقيادة الهاشمية تكلل شخصه بكل رعاية ووفاء ، مع كل ما يستحقه الأبطال الأوفياء .
أما الباشا الثاني أبو فيصل رحمه الله، فقد غادر مواقعه الرسمية ووزاراته ، ورئاسة مجلس النواب والإتحاد البرلماني العربي ، خالي الجيوب ، مليء بالكرامة والكرم ، وزعامة الشيخ الزعيم ، وصل آخر سني عمره ، والديون تلاحقه ، كلما تخلص منها ، أخلصت له فلازمته ، رغم قصره الكبير الذي كاد أن يبيعه لولا تدارك الصيّد الأوفياء ، ودعمه في اتجاه عدم بيعه !
اليوم ، نستغرب أن يدخل علينا مسئول، أو شخصية ما ، " مديونير " ليخرج من عندنا " ألوفير أو مليونير " أو " أرضونير " ثم يقتلنا الصداع جرّاء صراخ المهددون بالويل والثبور لمن يتجرأ على مد يده نحو بيت المال أو جرار الزكاة ، أو صناديق المعونة دون ان يحمل بين يديه ملفا يحتوي على ألف ورقة تثبت بأنه فقير ، ومتسول سابق ، ومشرد لا سقف يحميه من حرّ القيظ وقرّ الشتاء .
المكافآت المالية تعطى للعديد من الأشخاص الذين لا يمتون الى الواقع العملي بصلة ، من طلاب ، وموظفين وإعلاميين ، وكتاب ، وأشخاص اعتباريين ، وشخصيات فردية لا تمثل سوى نفسها ، ولا تضيف في قاموس العمل الوطني حرفا ولا جملة ، كل ما في الأمر إنهم يقتاتون على موائد بعض الشخصيات المؤثرة ، ويأتمرون عبر الهاتف ، بما يسمى بالتعليمات الهاتفية ، لمهاجمة آدم ، ومناصرة حواء ، والوقوف مع جماعة الغنم ، ومقاطعة جماعة الماعز ، وإطلاق إشاعات التوزير والتعديل والتغيير الحكومي ، أو حسب مقدرتهم في إيقاف عجلة الحقيقة ، وحلف أغلظ الأيمان إن راعي الغنم توهان هو نفسه أمير القبيلة فارس بن مغوار ، مكتشف موهبة بن خلدون الذي أسس علم الاجتماع ، وإن مجلس النواب مثلا هو واحد من أرفع وأقوى المجالس النيابية والرقابية على مرّ العصور ، دون الحاجة لمعرفتهم كم هو عدد أعضاءه أو أسماءهم .
مخطئ من ظن إن حنفية العطايا والهدايا والحظوة قد ولى زمانها ، فإن كانت جهات معينة أغدقت في عطاياها يوما ما ، فقد يكون الدافع إنها معتادة على ذلك منذ كانت جالسة على مقعدها المنزلي أمام شاشة التلفاز ، تشارك الزوجة الحبيبة مشاهدة مسلسل الحاج متولي ولو على مضض ، أما اليوم وكل يوم فإن حنفيتها رغم شح قطراتها ، تروي أفواه الفاغرين تحتها ، ومن يمد يده دون تقديم خدماته المسبقة ، فتكفيه بصقة من فم الجهة ، عل المتسول يمسح بها وجهه ليزداد سواده سواد !
أما من يستحق أن يُحترم ، وأن يُفتخر بماضيه الزاهد ، المرابط في خدمة وطنه ومواطنيه ، وحكومته ، وقيادته ، فليس له سوى سيل من المديح ، وكتب الإشادة والثناء والتقدير ، المذيلة بالرجاء أن يبقى مدافعا عن الحقوق الضائعة والمنقوصة والمستبدلة والمفرغة ، وليذهب أبناءه الى الجحيم ، ـ فما للجهة، وما لأولاده ، ومن صفق له عندما تخرج أبنه بتفوق ، رغم ضيق ذات اليد عنده ، و رغم عينه البصيرة ، ويده القصيرة ـ ، وتستمر التهنئة له بحسه الوطني المرهف ، ووقوفه مع رجالات وطنه ، ووزراء حكوماته ، متمثلين تماما بالوصف الشعبي ( حلوّ لسان ، قليل إحسان )
طيبٌ جدا دولة الرئيس ، فهو في الوقت الذي سيعود فيه الى بيته المتواضع في طبربور ، بعدما أخلص في فعل ما ندري وما لا ندري من إنجازات وطنية ، محبطا من التقارير الصحفية المجهزة مسبقا لمناسبة وداعه ، سيكون بعض النكرات في العمل العام والخاص والمتسلقين جدران المؤسسات الحكومية والمانحة الخارجية منها والداخلية " كالحراذين " قد سكنوا بيوتهم الفارهة ، وامتطوا سياراتهم الحديثة ، وحجزوا مقاعدهم لقضاء عطلة الكريسماس في عواصم اليورو والليرة والدولار والبات نسبة الى بانكوك ، والمخلصين للوطن فليأكلوا أوراق قصائدهم التي تتغنى بقوام الوطن الرشيق ، وتنام على صدر محبته .
في ذكرى كل الشرفاء في وطني ، يجب ان نُذكرّ إن هناك شخصيات وشرائح تستحق كل الدعم دون منّة من أحد ، فليس هناك وطن ، ولا حكومة تقوم في صحراء خالية ، والفجوة بين الأغنياء والمسحوقين رغم إنها واسعة وعالية لحساب الأغنياء الجدد ، فإنها لا تزال تسير في خط متواز ٍ ، مع طول المسافة .
هناك مؤسسات ، وشخصيات ، تنويرية ، تثقيفية ، تعنى بوعي الناس ، وترتقي بمستويات تفكيرهم ، تسلط الضوء على جماليات الصورة الوطنية ، وتمتص تشنجاتهم واحتقاناتهم ، وتطفئ نيران الحقد الذي بدأ يأكل قلوبهم وعيونهم جرّاء ما يلمسونه في يومياتهم ، وتضع مساحيق التجميل على الوجه الرسمي للحقيقة ، وهذه هي التي تستحق الوقوف معها ، وإنصافها ، والالتفات الى تاريخها ، وتبني وجهات نظرها ، ودعم أبناءها .
أما من اعتاد على رمي وجهه تحت أقدام القوم ، وتقبيل الأيدي القذرة ، والتنفس عبر أفواه هواءها قادم من خارج حدود الوطن ، يهزون الخصور أمام القصور ، ويطلقون الحمام في وجه " المدام " ، ( فالهؤلاء ) سيوفهم مع الوطن وقلوبهم مع بني قريظة ، لذلك فإنهم يستحقون الضرب ، هم ومن أيدّهم وملأ أيديهم .
حمى الله الوطن من شرهم وكيدهم ، وأدام السيف الهاشمي الفيصل ، الذي تحمله اليد الكريمة التي تعودت أن تأمر بالمعروف ، وتجود لأبناء الوطن الذين يستحقون منا كل قبلات الإكبار ، وكلمات الافتخار .
Royal430@hotmail.com