بداية أعتذر عن هذا العنوان الصارخ لكل الأمهات والجدات الطيبات اللواتي كنا نستمع منهن للقصص ولأمثال والأقوال السائرة عن حنان وعطف الأمهات وبالطبع كنا نلقي السمع مسلمين مستسلمين لما يقال دون أن نفكر ولا للحظة في شأن مدى تصديقه والأخذ به بل نستمع ونستسلم له على أنه كلام منزه عن أي شك ..أليس هو كلام أم أو جدة ؟ من مثل : "ما أغلى من الولد غير ولد الولد" ..أو من مثل (ما في أم بتكره أو بتضر ظناها) ...الخ من العبارات والأقوال والقصص التي يراد منها تصوير حنان الأمهات وتضحياتهن ..الخ.أعتذر لكل الأمهات والجدات عن هذا العنوان الذي أُجبرت عليه ليكون بمثابة صرخة لافتة آن لها أن تخرج من الحنجرة الصامتة هيبة ورهبة من معنى الأمومة وقداستها .. بل من القلب الذي أدمته عدة حوادث وقعت في السنوات الأخيرة وكان مما جعل وقعها أشد أنها تحدث في مجتمعنا الطيب المتماسك حيث قيم وأخلاق المجتمع المحافظ .. فكانت لذلك أغرب من الخيال .. ولو ألقينا إليها السمع في حينه لكنا كفرنا بكل ما كنا نستمع إليه عن الأمومة من أفواه الأمهات والجدات أنفسهن ..
ويا طالما -بسبب ما رضعناه وغذينا به من تقديس الأمومة -التمسنا الأعذار لأمهات أبدين شذوذا صارخا في سلوكهن الوالدي والأمومي ولسان حالنا يقول : (ما عليش شو صار .. فهذه المرأة أو الأم أو تلك لا تمثل كل الأمهات .. ولكل قاعدة شواذ.)
فعندما أقدمت امرأة قبل أعوام على بتر العضو التناسلي لطفلها بكل قسوة ووحشية وهمجية فظيعة فقط لتعاقب زوجها لأنه هجرها في المضجع قلنا تلك حالة شاذة ولا تمثل ضمير الأمومة في مجتمعنا الأردني وسرعان ما تناسينا تلك الحادثة وذهبنا عنها صفحا .
وعندما أقدمت أخرى على حرق أو تسميم أو حبس فلذات أكبادها دون رحمة لأسباب مشابهة أيضا رفضنا أن نكفر بأحاديث الجدات والأمهات عن حنان الأم وقلنا أيضا تلك حالة أخرى مثلها .
وعندما رأينا أمهات بدافع الغيرة والأنانية يقفن في طريق سعادة أبنائهن حتى تصل الأمور لتدمير حياته وتسميمها وهو حي ومرات ضرب علاقته حتى مع والده أو إخوته لدرجة أنها لو قتلته قتلا يكون ارحم له .. أيضا كنا نلتمس الأعذار ونقول تلك أم (والأم لا تكره ظناها ) ولا بد أن الحق على الولد .. وذلك لصعوبة أن تتخذ حكما وقرارا في صائبا في قضية كهذه سيما أن الوالد (الأم أو الأب أيهما ) إذا كان طرفا في قضية مع الولد فغالبا ننحاز مباشرة له لأننا من ثقافتنا نفترض أنه (مافي أم بتكره ظناها) لذا فهي دائما على حق.
وها نحن مرة أخرى أمام حالة صارخة وفظيعة جدا إلى حد أنه لا يمكن أن تكون الأمومة كما قيل وصور لنا وينتج عنها كل هذا الظلم والقسوة والوحشية .. إنك لا يمكن أن تجد قلبا لتلقي حتى بقط وليد إلى حاوية قمامة وستشعر بالمسؤولية تجاه ضعفه وبراءته وقلة حيلته وحتى لو لم تشعر بالمسؤولية تجاه كل ذلك ستشعر بالمسؤولية أما الله الذي خلق هذا الكائن وأمرك بالإحسان إليه حتى وهو حيوان..وسيزيد ذلك الإحساس إذا كان ذلك القط قد ولدته قطتك أو قطة المنزل مثلا .. فكيف إذا كان هو إنسان وليس قط ومن ألقت به هي من حملته في بطنها ثم ولدته فعبر من رحمها عبر مهبلها إلى الدنيا وصرخ صرخة الاستغاثة أن لا تتخلي عني يا أمي فانا في هذه اللحظة مسؤوليتك وأمانة في عنقك ..واجهي العالم كله لأجلي مهما كانت خطيئتك ؟!!! وليتها ألقت به على باب منزل أو مسجد أو دائرة أو مدرسة .. إذا لقلنا ربما أنها مغلوبة على أمرها ورجت الله أن يعثر به من يرعاه ..لكنها ألقت به في حاوية قمامة ليصير إلى آلة التعامل مع النفايات وطحنها فتمزقه إربا ؟؟ رحمتك يا ألله والطف بنا من أعمال الجهلة وقليلي الرحمة ولا تحاسبنا بأعمالهم .
إن ما حصل من أم ألقت بضميرها وأموتها وإنسانيتها في أقرب حاوية للقمامة ملقية معها قطعة من جسدها وإنسانا حيا هو ابنتها جعلنا مرغمين أن نعيد التفكير في كل تلك الحوادث والنماذج السابقة فيما إذا كانت نماذج شاذة أو أن التزييف والتحريف الذي لم يسلم منه شيء في هذا العصر الغرائبي قد طال بدوره حتى الأمومة ذاتها فلم تعد هي ذات الأمومة التي كنا نستمع من الجدات والأمهات لقصص كالأساطير عنها وأنها رمز التضحية والتفاني والإيثار وحب الخير دون رجاء مقابل ؟
إننا أمام طفلة بريئة ابتدأت حياتها بطعنة غدر نجلاء وجهت لها ممن يفترض فيها ان تتحول إلى نمرة أو لبؤة لتذود عنها وتحميها بصورة غريزية كما تفعل أي قطة او ماعز بمجرد أن تضع صغيرها تبدأ بلعقه ومساعدته على النهوض والرضاعة من ثديها .. انها خسة وغدر الإنسان حينما يلقي بالضمير وبتقوى الله وراء ظهره فيتصرف كوحش واع له بدل المخالب والأنياب عقل يحول كل شيء إلى مخلب وناب يفتك بهما دون رحمة.
jeaad@yahoo.com