إضاءات من الشفافية الملكية
طلال الخطاطبة
08-12-2011 02:12 PM
لم يكن مستغربا أن يبادر حامي الدستور وهو المصون بموجب هذا الدستور أن يقدم المثل الأعلى للجميع و أن يكاشف الأردنيين بكل التفاصيل حول ما أُشيع عن الأراضي المسجلة باسم الديوان الملكي، لتزول الغُمة و يحق الحق ويبطل الباطل. فالشارع سأل مستوضحاً عن هذا الموضوع و جلالته أجاب. و لكن كما جرت العادة لا بد من الاستفادة من هذه المكاشفة و الشفافية الملكية و أخذ العبرة و الدروس للجميع. هنا لا بد من الوقوف مع بعض الإضاءات التي عكستها هذه الشفافية الملكية.
الإضاءة الأولى هي للشعب الذي ما نكث عهده مع قيادته فتبادله القيادة حبا بحب و عهدا بعهد و كلما طافت بالرأس الظنون بسبب ما يشاع من افتراءات قابلتها القيادة بالصراحة والشفافية و الشعب بالالتفاف حولها، فتزداد عرى العلاقة وثوقاً بين الشعب و قيادته. لقد تعب هذا الشعب من الإشاعات التي طالت كل فرد في هذا المجتمع إلى أن شككت الناس بأنفسهم. في اليوم الذي تلا الإعلان الملكي عن الأراضي، زار جلالته مركزاً صحياً في منطقة الهاشمي الشمالي، و الصورة لا تحتاج إلى التعليق عن العلاقة بين القائد و شعبه، فهي تعبر عن نفسها.
الإضاءة الثانية (إياك أعني واسمعي يا جارة) نعلم جميعاً أن أصابع الاتهام تحوم حول هذا الشخص أو ذاك بأن هذا باع المؤسسة الفلانية و ذاك خصص الشركة العلانية بأبخس الأثمان. و قدم تم طرح هذه الأسماء بالحراكات الشعبية من شمال الوطن إلى جنوبه. فلماذا لا يبادر هؤلاء إلى الكشف عن هذه الملفات أمام الجمهور بأنفسهم أسوة بما قام به سيد البلاد؛ هل يرى هؤلاء أنفسهم فوق الشبهات او ربما فوق الدستور!!!
الإضاءة الثالثة هي للحكومة التي يرأسها القاضي الدولي دولة عون الخصاونة. دولة الرئيس هذه فرصتك ليضعك الأردنيون بمصاف الشهيد وصفي التل و هزاع المجالي رحمهم الله وأطال في عمرك. فأشهر سيفك في وجه هذا الطاعون السياسي الاقتصادي الاجتماعي، و بوجه هذه الطُغمة من الفاسدين، اقطع رقابهم بالقانون، فمن يسرق مقدرات الوطن لن يحفزه مبادرة ملكية ليخجل ويتقدم بطلب للقضاء، و من ينهب البلد لا يوقظه ضميره ليلا لينهض من فراشة و يرجع الحقوق إلى أصحابها، فلن يردعهم إلا القانون الحازم، وهذا القانون يجب أن يأخذ صفة الاستعجال و الاستعجال جداً؛ لا يجوز أن تُعامَل قضايا الفساد العام كباقي القضايا و تقف على الدور كمخالفات السير. يجب الإسراع بالبت بها ولن نقبل بالبراءة بسبب خطأ بإجراءات الضبط أو الإدعاء. لا نريد أن نأخذ الناس بالباطل ونلقي بالتهم جزافا، فنحن دولة قانون، ويجب أن يكون لهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم ( كالجلبي مثلا، و لا أدري آن كانت قضيته قد حُلت أم أنها ما زالت كالبقرة الحلوب للمستفيدين منها) ولكن لا نريد أن يستفيد فاسد ويفلت من العقوبة لأن هناك خطأ ما قد حدث بنقطة ما من سير القضية، و تُخرج قضايا الفساد كما أُخرجت قضية الجلبي إذا توفر لها محامي (حِمِش). الناس بريئون إلى أن تثبت أدانتهم و لكنهم قطعا ليسوا بريئين إذا كانت براءتهم بسبب هذا الخطأ الضبطي.
الإضاءة الرابعة هي لمجلس النواب بخصوص قانون (من أين لك هذا؟) هذا القانون الذي طال الحديث عنه و كثُر. نسمع به و نرى غبار المناقشات حوله فوق رؤوس مناقشيه ثم يختفي هذا الحديث وتضع الحرب أوزارها و تعود السيوف التي طالما رفعها المصلحون لقطع رقاب الفاسدين المفسدين إلى أغمادها، و السبب و العلم عند الله أنه لم يوجد إلى هذه اللحظة (من كان بلا خطيئة). سمعنا أن هناك نية عند السادة النواب و هم بالمناسبة من يجب عليهم المبادرة بذلك لا أن يجلسوا منتظرين قانونا بهذا يأتيهم من الحكومة، فهم من يشرّعون القوانين؛ فإذا كان جلالته هو أبو السلطات و حامي الدستور، فإن المجلس الكريم هو حامي السلطة التشريعية و هو الذي يشرع و الحكومة تنفذ. نعم سمعنا عن نية المجلس الكريم أن يبدأ بنفسه بعهد الحكومات السابقة و أن يتقدم السادة النواب بكشف يبين مصادر دخولهم و سمعنا أيضا أن من تقدم هم ثلاثة نواب فقط أو عدد قريب من هذا الرقم، و لم نسمع بعدها بجديد؛ لا أدري هل خاف السادة النواب على أنفسهم من الحسد و العين من أفراد الشعب المسحوق؟ يا سيدي أن كانت هذه الحجة فهذه سهلة و من السهل تحصينهم بالمعوذتين.
قال دولة الدكتور عون خصاونه في معرض رده على السادة النواب حول موضوع قانون من أين لك هذا أن النواب منقسمون على أنفسهم حوله، فرد السادة النواب بطلب موقع من خمس وتسعين نائبا مطالبين بقانون. لا أدري هل كان جلالته يطالب بقانون ليرد به على من أشاع الشائعات حول موضوع الأراضي ليتقدم ببيان تفصيلي؟ هل يحتاج حماة السلطة التشريعية لقانون حتى يتقدم كل نائب بكشف عن مصادر دخلة و حساباته و شركاته مصحوبا بالرقية الشرعية؟ لا أظن ذلك لو توفرت النية بهذا. بصراحة لا أظن أن من يحارب الفساد ينتظر القانون ليبين للناس أنه نظيف الجيب حتى يشرع بمحاسبة الفاسدين.
الإضاءة الخامسة هي لهيئة مكافحة الفساد التي فاجأتنا الأخبار عندما علا سقف الطموحات فيها من المواطنين ومنهم الفقير إلى الله تعالى كاتب هذه السطور وكثرت تساؤلاتهم عن مصير تلك الملفات التي أحيلت للجنة أنها لجنة يستنار برأيها و لا سلطه قانونية لها، و قد تم تشكيلها لأنها مطلب دولي، و بهذا تصبح مؤسسة شكلية مع كامل الاحترام لهيئتها رئيساً و قضاة و موظفين، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول أنها تتساوى هنا مع جمعية حماية المستهلك التي أعجب منها كل العجب فلا أدري من تحمي؟ و مِن مَن؟ ولا سلطة قانونية لها لتحمي المستهلك من تاجر جشع.
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، نتقدم من الهيئة مكافحة الفساد بالتهنئة بهذا اليوم المبارك آملا أن يأتي اليوم الذي نبارك فيه لوطننا بالخلاص من الفاسدين و المفسدين.
حفظ الله الأردن حراً أبيا نظيفا من الفساد و المفسدين، و رد كيد كل متآمر على هذا الوطن إلى نحره ليكون ربيعنا أخضراً دائم الاخضرار إن شاء الله.