لا أدري ما الخطأ ان تحدث أحدنا بعفوية او برغبة مسبقة عن مفهوم انتاج الهوية, و لماذا تُسحب السيوف من اغمادها لتقطع رأس صاحب الخطيئة التي لا تغتفر, و الذي تجرأ و كسر المحظور. و حتى المسالمون ممن لا يؤمنون بثقافة الحرب, فعيونهم تقول ما لا تقوله السيوف, فتنطلق رمقةٌ و نظرة من نظرات الريبة و الشك, و حتى الألسنة التي لا تنطق تُسمع و هي توجه الاتهامات بالنازية و الفاشية, فيشعر المرء انه بربري في زمن الحضارة أو متخلف في زمن الحداثة و بلا شك فالغالبية ستعتبره رجعي في زمن التقدمية.
لا بد لنا من استشعار المشكلة, و لا بد بعد ذلك من تفنيدها, فحديثنا عن المشاكل و اعترافنا بها هو أساس الحل, و لا داعي أن نخدع أنفسنا بانكار وجودها, او بتضخيم شعارات رنانة في صوتها و فارغة في محتواها, أو بالحديث عن كل الامور الأخرى التي تجنبنا مواجهة الحقيقة, فنتحدث عن مفهوم المواطنة و نحن نحظر على الناس أن يعرفوا الوطن, و نتحدث عن وحدة وطنية و لا ندري في الحقيقة عن أي وحدة يمكن للمرء أن يتحدث و هو يعاني حالة من الشرذمة و الضياع, و من هم الذين يجب عليهم ان يتحدوا و تحت أي مظلة؟ كونفدرالية مثلاً؟ ام اتحاد فيدرالي؟
الوحدة تتشكل بين مكونات متناغمة لذا قبل الحديث عن الوحدة لابد لنا ان نقتنع بضرورة بناء هويتنا الوطنية واضحة المعالم!! و ليعذرني الاصدقاء ممن سيتسرعون بالحكم على هذا الطرح النازي أو الفاشي, و ليمهلوني لاتمام قراءة الأسطر التالية حتى تتضح الفكرة و لا نسقط في فخ وأدها قبل ولادتها. فنحن في الحقيقة نبحث عن حلول لمشكلة لا عن خلق مشاكل او اثارة فتن, و لنؤمن جميعاً أن الهوية لا تعني العتصرية, فسعينا لبناء الهوية غايته الا يسقط احد منا مستقبلاً بفخ الفاشية أو النازية. فالمواطنة ممارسة و ليست عرق و الهوية انتماء و ليست ورقة او وثيقة.
لذا قبل البدء بالحديث و مناقشة اي من الطروحات لا بد لنا ان نُعرف مفهوم الهوية, و ما يعنينا هنا بالأخص هو مفهوم الهوية الجامعة. اذاً ما هي هذه الهوية التي تستفز الكثيرين و التي نحرم منها نحن الأردنيون جهاراً نهاراً, لسنا نعني و بلا أدنى شك أن الأردنية هي ضرب من ضروب العنصرية, و لكن لا يمكن أيضاً أن تبقى الهوية الوطنية الأردنية تتعرض لأسوء حملات الاغتيالات بسبب مخاوف ليس لها من داع, بل أن السبب الوحيد هو المصالح و المطامع المرتبطة بفئات نصبت نفسها ناطق رسمي باسم شعوب و تتآمر عليهم في كل يوم ألف مرة , لا بل تتاجر في مصائرهم و أقدراهم, و هي التي تقف في حقيقة الأمر خلف محاولات تجريد الأردن و الأردنيين من حقهم بالانتماء الى هوية وطنية واضحة المعالم.
ما هي الهوية الأردنية اذاً؟ و لماذا يخافها الكثيرون و يفضلون حتى عدم الحديث و الخوض بها و كأن أبواب جهنم على وشك أن تُفتح اذا ما تطرق أحدنا الى هذا الموضوع!
الهوية الوطنية باعتقادي هي تبلور شخصية الافراد ضمن اطار معين يتأثر ضمناً بطبيعة المكان الذي يعيش فيه السكان, و يكون للتاريخ و اسقاطاته و شخوصه و الاحداث التي شهدتها الأرض دور كبير في تكوين الهوية. و لكن و من جهة اخرى تعتبر الهوية و تكوينها عملية مستمرة حيث تتأثر بالتحولات و الاحداث تأثراً واضحاً. و لنأخذ على سبيل المثال الحالة الأردنية,ً فاذا اتفقنا ان الأردن سكنه الانباط فهل يخولنا ذلك أن نعترف بالهوية الأردنية على أساس أنها نبطية فقط؟ و ناخذ بدراسة الانثروبولجيا و ال (DNA) حتى نتأكد ممن ينحدرون من سلالة الانباط و الورثى التاريخيون للارض؟ على العكس تماماً, فما شهدته الأرض الأردنية يشير الى أن الهوية الأردنية هي واحدة من أثرى الهويات و التي يفترض أن تجمع في تراكماتها كل الحضارات من النبطية الى الرومانية فالبيزنطية و الاسلامية دون الدخول في التفاصي., اذاً يبقى السؤال لماذا يُتعمد تهشيم هذه الهوية و اختزالها ضمن مرحلة زمنية ضيقة و تحويل الشعب الأردني و تقسيمه الى كانتونات صغيرة تعسش حالة من التناحر الفكري و الخوف و الريبة و الشك و الأخطر هو تولد حالة كره الآخر؟
اليوم لا بد أن يدرك الجميع أن الهوية هي الأساس و لا يمكن أن يُبنى مجتمع أردني معاصر دون اظهار هذه الهوية. و الفشل في بنائها و التآمر عليها و تهشيمها هو أساس التدهور الذي نعاني منه في كل المفاهيم و القيم و التي أصبحت عبارة عن قنابل موقوتة لا يمكن الاقتراب منها. فلا تغير او اصلاح دون انتشار لثقافة التغيير, و لا ثقافة دون مواطنة و المواطنة لا يمكن ان تتم دون تبلور واضح للهوية. و الهوية ليست فزاعة رعب, أو أداة فاشية أو احدى وسائل التطهير العرقي, على العكس تماماً, فالهوية هي الضامن الأكبر و العامل الأهم لاستمراية المجتمعات و الحفاظ على استقرارها.
لا يمكن أن يختلف اثنان أننا بتنا نعاني من الفشل في سياسة الاندماج المجتمعي, فصورة الوطن اضمحلت و اختزلت بالشخوص أو حتى بالفئات, بينما هي المظلة التي تضم تحتها كل مكونات المجتمع باختلافاتها و تنوعها لتصهرها ضمن لوحة فسيفسائية متناغمة, و تنهي فكرة الصور المتنازعة المتناحرة و التي لا تعلم في النهاية لماذا تقتل و لأي سبب تحارب!.
نستحق نحن الأردنيون أن نفخر بهويتنا الجامعة, أن نفتخر بتاريخنا و أن يكون تاريخنا ملهماً لحضارتنا, فمن حق كل منا أن يشعر بأردنيته و يفاخر بها, فالهوية لا يمكن أن تكون حكراً على احد دون الآخر, و للتراب الأردني حق علينا جميعاً فهويتنا مستمدة من الأرض و بلاشك أنها مبنية على العلاقة مع هذا التراب. لذا بعيداً عن الشخوص و بعيداً عن التقوقع و الانغلاق لا بد أن يبقى التراب والتاريخ الأردني أساس للهوية الأردنية التي تقبل كل المندرجين تحتها طوعاً و رغبةً و حباً. و من عشق التراب الأردني و كبر معه, من حقه أن يعرف نفسه به, فالحب أيضاً معيار للانتماء, فنحن غالباً ما نعرف أنفسنا بمن نحب