سؤال الشعبية في تحمل المسؤولية!
08-12-2011 02:23 AM
كلما تشكلت حكومة من حكوماتنا العتيدة كان أحد التصريحات الأولى التي " يمعطها " رئيسها للصحافة هي أن " حكومتي لن تبحث عن الشعبية على حساب المصداقية " أو مثلا (( الحكومة لن ترضى باكتساب شعبية على حساب مصلحة الوطن )) أو مثلا (( لن نعمل من أجل الشعبية الزائفة )) و تتعامل الحكومات مع الشعبية باعتبارها تهمة!
هل فعلا الشعبية تهمة ، و تؤدي الى الاضرار بمصلحة الوطن العليا ؟ و هل تحصيل الشعبية في أوساط الشعب الاردني تنحصر بزيادة الدعم الجكومي و بالمحافظة على سعر اسطوانة الغاز و الكهرباء و زيادة الرواتب ، هل وصلنا الى مرحلة تتخيل الحكومة فيها الشعب على أنه مجموعة من المرتشين ؟ و هل الهم الاقتصادي هو الأول على أجندة الاردنيين أم أنه الهم الوحيد ؟
أسئلة تتردد فعلا في بالي كلما سمعت هذا التصريح من رؤساء الحكومات المتعاقبين ، مع زيادة في متن التصريح أصبحنا نلاحظها أكثر في الأعوام الثلاثة الاخيرة و هي أن المنصب الحكومي ليس مغنما! و كأن الأصل فيه أن يكون مغنما و لم يعد كذلك! و كلما دارت الاسئلة في بالي تذكرت أبو شاكر و هزاع ووصفي رحمهم الله و آخرون كثر!
هل بحث أبو شاكر عن الشعبية أم أنه اكتسبها ؟ و هل اكتسبها لأنه جامل الشعب على مصلحة الوطن أم لأنه كان يعمل بصدق للوطن ؟ لماذا احترمه حتى خصومه السياسيين و قدره الناس العاديين ؟ هل تعامل أبو شاكر مع المسؤولية بالتصريحات أم بالقرارات ؟ ووصفي و هزاع ، هل حصلوا على شعبيتهم لأنهم وزعوا العطايا مثل روبن هود على الناس أم لأنهم عرفوا أن كرامة المواطن لا تداس ؟ و لماذا احترمهم الناس و خلدوهم في الذاكرة كأكثر رئيسين وطنيين في التاريخ الاردني الحديث مع أن مواقفهم السياسية إبان حلف بغداد و المقاومة و العمل الفدائي لم تكن لتروق لأغلبية الاردنيين و مع ذلك اكتسبوا الشعبية ؟!
الشعبية في تحمل المسؤولية لا تتأتى على حساب الوطن ، بل من خلال احترام المواطن ، احترام عقله و مستوى تفكيره ، احترام فقره و ضعفه ، احترام صبره و احترام تعبه ، احترام ضميره الذي ينام مرتاحا عندما يتأكد أن البلد في أيد أمينة و أن المسيرة على السكة السليمة ... من خلال إشعاره أن المسؤول يفهمه و يتفهمه حتى لو لم يستطع أن يترجم هذا الفهم إلى فعل!
ما دفعني للحديث عن الموضوع ، هو صورة نشرها سفيرنا في أندونيسيا معالي محمد داوودية على حسابه الشخصي على موقع الفيسبوك ليلة أمس ،و هي صورة جماعية أعتقد أنها لأعضاء السلك الدبلوماسي العربي في جاكرتا ، و شرح معاليه عليها ما يلي : (( حفل وداع الصديق الغالي عبد الرحمن الخياط سفير المملكة العربية السعودية لدى اندونيسيا في منزل الاردنيين.)) . استفزتني عبارة منزل الأردنيين للكتابة ، فكم عدد سفرائنا الذين يعتبرون منزلهم منزلا للأردنيين ؟؟
كم وزير للرياضة هتفت له جماهير الملاعب الكروية باسمه غير محمد داوودية ؟ هل كان داوودية يقبض الثلاثين ألف متفرج حتى يهتفوا له أم أنه فقط كان يفهم ماذا تريد الجماهير من وزير الرياضة ، كنت لا أزال فتى يافعا لكنني لا زلت أحتفظ في ذاكرتي بصورته و هو يرتدي قبعة رياضية و يخلغ جاكيته عن كتفيه و يشمر قميصه و يترك منصة ستاد عمان و يلتحم بالجمهور يشجع و يهتف بحماس بينهم للفريق الأردني ! بعدها فقط أصبحت الجماهير تحييه " داوودية داوودية داوودية " و استمروا في هذا الهتاف حتى بعد أن ترك منصبه!
كم وزير للتنمية السياسية أخذته الأحزاب على محمل الجد بعد داوودية ؟ هل كان مختلفا عنهم في شيئ عدا أنه كان يخاطب عقلهم و لا يحاول أن " يتخوث " عليهم ؟ و كم سفير مثله يشهد له مراجعوه أنه كان يلاقيهم و كأنهم عند أهلهم و أنه كان يفزع لهم " عالدعسة " حين يمرون بمشكلة ما في اليونان أو المغرب أو أندونيسيا ؟
حين وصف الراحل العظيم الحسين رحمه الله محمد داوودية بالنشمي ، لم تكن هذه فراسة الحسين فيه فحسب ، بل لأن محمد داوودية يعرف كيف يكون نشميا ، و عليه استحق اللقب من الأب الكبير و استحق الاحترام من الشعب على فهمه لهم و معرفته لطرق مخاطبتهم و لتعريف دور المسؤولية الوطنية في كل المواقع التي تولاها ، و لأنه اكتسب الشعبية دون أن ينكر أنه فخور بها و بنجاحه في الحصول عليها!
لا أحب أن أكتب عن الأشخاص و هم في مواقع المسؤولية ، لكن معالي أبو عمر استفزني حين أثلج صدري بعبارته " منزل الأردنيين " التي استعملها بعفوية لأنه يؤمن بها و لأنه يعرف أن الدولة حين ابتعثته سفيرا فلأنها أرادته سفيرا للدولة الأردنية ... ملكا و حكومة و شعبا ... و لأنه يعرف أن هذا الشعب الطيب يقدر من يحترمه و ينسى من ذاكرته من يتعالى عليه!