في ذكرى رحيله /ملك يختزل عنفوان النص
1 ــــــــ 10
محمود الزيودي
31-01-2007 02:00 AM
هناك تماثل كبير بين بدايات جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه وجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله وامده بموفور الصحة والعافية .
تسلم الحسين سلطاته الدستورية عام 1953 والمملكة تحت صدمة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ، ورصاص الاتهامات الباطلة يخدش جدران البيت ، والحرب البارده في بدايتها ، والجيش بقيادة انجليزية ، والشعب نصف قروي يرزح تحت وطأة الجفاف والقحط .. واغلب المتعلمين تتجاذبهم العقائد السياسية والفكرية ، وخط الهدنه مع اسرائيل لا يهدأ .. فتسلل اللاجئ الفلسطيني لزيارة بيته او اقاربه ، يستدعي مهاجمة قبية او طولكرم او اية قرية حدودية . والامبراطورية المتعاهدة مع المملكة الفتية ترفض تحديث اسلحة الجيش او زيادة قوته البشرية .. تقطّر مساعداتها حسب رياح الحرب الباردة .. ويكفي ان الجنرال جون باجيت كلوب قد وعد باردنة قيادة سلاح الهندسة الملكي عام 1985 ...... ونحن الان في حالة كان الله بعون ابا الحسين عليها . فجلالته في حركة لا تهدأ . وفقر الناس نصب عينيه كما كان اهتماما خاصا للباني رحمه الله . ونحن بين نارين في بلدين كلاهما ظهير لنا ونحن ظهير وسند لهما ........
ابناء جيلي يذكرون الذرة الصفراء والقمح الامريكي والاسترالي والمدراس الابتدائية التي بدأت تنتشر في القرى والبوادي واموال النقطة الرابعة التي انفقت على انشاء الطرق بالفأس والكريك وذهبت نفقاتها الى جيوب العمال الاردنيين من رعاة وفلاحين عضهم القحط بانيابه..... حتى الجيش وجد رديفا له من قوة الحرس الوطني التي انشأها الحسين .... كان اول المتبرعين لها مع الشعب الاردني الذي تبرع بانشاء اول قوة طيران اردنية في عهد الملك المؤسس عبدالله الاول بن الحسين ... كانت نواتها ثمانية طيارين اصبحت فيما بعد سلاح الجو الملكي الاردني .
مع رياح حركات التحرر في الخمسينات من القرن الماضي . كانت قيادة الجيش شوكة في خاصرة الملك الشاب ..... في الواحدة والعشرين من عمره بدأ يخطط مع العسكريين لتعريب قيادة الجيش ... لم يكن أي من السياسيين المدنيين على علم مسبق الا صبيحة تنفيذ القرار . ولم يأبه لتهديد رئيس وزراء بريطانيا انتوني ايدن الذي اختلطت امعاؤه اثر عملية جراحّية مع اختلاط قراراته وهو يحاول انشاء حلف بغداد ويصدر امرا للمخابرات البريطانية (mi6) بقتل جمال عبد الناصر .... لم يربط محمد حسنين هيكل بين رحيل كلوب والاستعمار البريطاني من الاردن وبين قرار جمال عبد الناصر بتاميم قناة السويس ، بنفس الخطة والتدابير .. فالحسين اعد قائمه الضباط الاردنيين الذين سيتسلمون قيادة جيشهم من البريطانيين ....... وخطط لحجز الضباط البريطانيين في منازلهم ..... وامر بوضع قوّة تلغم جسور القطرانه حتى لا تتدخل القوات البريطانية في معان .. وامر باشغال القاعدة الجويّة البريطانية في ماركا بالمدافع والسيارات حتى لا تطير منها طائرة .... وامر بتجهيز طائرة تنقل كلوب الى قبرص خلال ساعتين من صدور القرار.... ولم يعلم كلوب ولا مدير المباحث كوجهيل ولا ضباط الاستخبارات الانجليز في الجيش بكل ما يحدث .. ومثل هذه الخطوه تاخذ وقتا في الاتصال والتحضير .. وبعض ضباط الجيش موالين للباشا ( ابو حنيك ) لانهم لحقوا به من الحدود العراقية السعودية عندما وصل الى المملكة على بعير .... ولماذا على بعير يا خلق الله ؟؟.. لانه ضابط مهندس جاء لرسم مسار انبوب البترول من كركوك الى حيفا لينقل الى موانيء بريطانيا وغيرها.. فالبترول كان ولم يزل عصب الصناعة وامداد جيوش الحرب القادمة مع صعود نجم هتلر ... لم يرسم الضابط المهندس طريق انابيب شركة بترول العراق فحسب .. بل جهز حراسة الخط بقوة حدود شرق الاردن وهي نواة الجيش العربي الذي تسلم ( ابو حنيك ) قيادته لمدة ستة وعشرين عاما .. كل ما حدث من فعل شاب عمره واحد وعشرون عاما . ومن هم في عمره الان لم يتخرجوا من الجامعه بعد .....
كانت ادارة قناة السويس الاجنبية شوكة في خاصرة مصر وخاصرة جمال عبد الناصر . وقد سبقه الحسين في تعريب قيادة جيشه وتحرير الاردن من بقايا الاستعمار .. خطط جمال عبد الناصر لتاميم قناة السويس بسرية تامه على طريقة الحسين . حتى انه استعان بالجنرال جريفاس القائد العسكري للمقاومة الوطنية القبرصية ( ايوكا ) لمعرفة حجم القوات البريطانية في قبرص ، واستدعى المهندس محمود يونس الى منزله وطلب اليه بسرية تامه تحضير طاقم من المصريين لاستلام ادارة قناة السويس من الاجانب . اتفق معه على التنفيذ عندما يذكر جمال عبد الناصر كلمة فرديناند ديليبس في خطاب يلقيه على الهواء مباشره . وهذا ما حدث ...
* * *
جالت هذه الخواطر في نفسي عندما انتهيت من قراء كتاب ملك يختزل عنفوان النص للكاتبة الباحثه الاستاذه ملك يوسف التل ، وهو فكرة وتنسيق الدكتورة اغادير عرفات جويحان واخراج شريف عفيف حزين ....
قليلة هي الكتب التي تسهرني .. ذات حين تذاكرت امر النوم مع استاذي المرحوم حسني فريز . قال لي في اواخر عمره . انه ينام بفعل حبة فاليوم .. قلت له اني انام بعد قراءة عشر صفحات من كتاب جيد ... في هذا الكتاب لم انم حتى بعد قراءته من الغلاف الى الغلاف . ثلاثمائة وخمسة وسبعون صفحة ... وعيناي تدمعان تارة .. وتارة انفجر ضحكا على طرائف الحسين طيب الله ثراه وجزاه عنا خير الجزاء
* * *