وإذا كان المثل الشعبي الصارم المتجهم يعد الضحك بلا سبب ضرباً من الوقاحة أو قلة الأدب، فباستطاعتنا أن نحتال على هذا القانون الأخرق الأبله، ونجد ألف سبب للضحك والفرفشة، حتى لو دفعنا بريزة لأحد أبنائنا ليقوم بالدغدغة السريعة لنا تحت الإبط أو في باطن القدم:لكن.. لماذا لا يقدر الواحد فينا أن يدغدغ نفسه فيضحك؟؟! قانون الارتقاء والتطور الذي ضخمه العالم دارون، كان يدّعي أن البقاء على هذه الأرض للأصلح!!، لكنه لم يحدد من هو هذا الأصلح!!، فقد انقرضت الديناصورات عن وجه المعمورة، مع أول صدمة نيزك كما تقول إحدى النظريات العلمية، في حين ظلت العصافير والفراشات والذباب والخنافس، وغيرها من الكائنات التي لا تعدل قوتها شيئاً، إذا ما قورنت مع قوة وصلاحية الديناصور!!.
ولهذا فلربما علينا أن ننظر للأمر من زاوية أخرى، فنعتقد أن الديناصور مثلاً كان أقل مرحاً وسروراً من الفراشة، التي تقضي حياتها الصغيرة في المسرات والتنقل من بتلة زهرة إلى أخرى، لذا فقد واجه الديناصور مصيبة الانقراض والفناء، في حين ظلت الفراشة سيدة الربيع المتجدد عاماً إثر عام، رغم الكوارث العظيمة التي حلت بكوكبنا!!.
البحوث العلمية الحديثة في مجالات المخ والأعصاب أثبتت أن قدرة الإنسان على الفكاهة والضحك والمرح والسخرية المهذبة الذكية، هي التي تجعله الأرقى بين المخلوقات، فالبقاء إذن ليس للأقوى، بل البقاء للأضحك.. أليس هذا مقنعاً؟!.
في المسارح العالمية الشهيرة كانوا يوظفون بعض الرجال أو النساء، الذين يمتلكون ضحكة مميزة قوية، يوظفونهم بوظيفة (ضاحك أول)، فبعد كل مقطع من المسرحية، يقوم هذا الضاحك الأول بالقهقهة، مما يسبب عدوى سريعة وخطيرة تنتقل بين صفوف الجماهير، فيضحكون ليس على فكاهة المسرحية أحياناً، بل إنهم يصابون بعدوى الضحك: الضحك معدٍ، تماماً كالتثاؤب!!.
وسينصح البعض منكم الحكومة بتعيين مبتسمين أوليين، أو ضاحكين أوليين في شوارعنا وأسواقنا علنا نشيع ونبث عدوى التبسم والضحك في صفوفنا، فنحن نوصف دائماً بأننا متجهمون صارمون، وأننا لا نضحك لرغيف الخبز الساخن!!.
لكنني أرى أن التعميم لن يكون عادلاً في هذا، فما زال الكثيرون منا يؤمنون: أن النكتة سلاح من لا سلاح له، وأن الابتسامة جواز سفر دولي للمرور إلى قلوب الآخرين، وأن أجمل ضحكة تلك التي تأتى بعد بكاء طويل، ويؤمنون أنه إذا لم تستطع أن تبكي، وقد أحزنك أمر، وعصت عليك الدمعة، فأضحك بملء شدقيك، واستبدل انفعال البكاء بانفعال الضحك، فدائما البقاء للأضحك!!!.
ramzi972@hotmail.com