هل أُغلِق الطريق الديمقراطي العربي؟
د. محمد أبو رمان
31-01-2007 02:00 AM
الراهن السياسي العربي وما فيه من ويلات وأزمات خانقة يدفع إلى حالة من الاكتئاب والإحباط لدى النخب السياسية والمثقفة ولدى شريحة واسعة من الرأي العام، ويدفع - هذا الواقع- إلى الاعتقاد أنّ الديمقراطية العربية – التي كنّا نعتقد لقترة من الوقت، خلال الشهور الأولى من عام 2005، أنّها باتت قاب قوسين أو أدنى- بعيدة المال، دونها مسافات وعوائق كبيرة. الدرس الأول والمهم مما يجري في لبنان والعراق وفلسطين أنّ الديمقراطية ليست انتخابات نيابية حرّة ونزيهة فقط، وإنّما عملية متراكمة وصيرورة تاريخية محمّلة بالتحولات السياسية والاقتصادية والثقافية، تفضي إلى بنية تحتية تؤسس للطريق الديمقراطي الذي يبدأ بالقيم الحاكمة للسلوك السياسي والاجتماعي وينتهي بالآليات المختلفة. أمّا البدء بالانتخابات أو اختزال الديمقراطية بها، فهو - كما يصفه خالد الحروب- بمثابة تركيب حداثة سياسية فوقية على بنى اجتماعية ثقافية غير حداثية بعد، " فما يتم تحت الغطاء السياسي (المنقطع عن البنية التحتية للمجتمع) هو أنّ البنى التقليدية الإثنية والطائفية والعشائرية تعيد إنتاج نفسها وفق التقطيع الديمقراطي التحزبي الجديد". وفي المحصلة سيؤدي تحميل المجتمعات العربية أثقال الديمقراطية، دون أن تكون مؤهلة لها، إلى انهيار هذه المجتمعات وتفككها أو سيطرة القوى المتطرفة عليها.
المشهد السياسي في كل من العراق ولبنان وفلسطين يؤكّد على النتيجة السابقة الخطيرة. فقد شهدت تلك المجتمعات انتخابات حرة، بدرجة معتبرة، لكنها أدّت إلى تدهور سياسي واضطراب أمني، كان نصيب العامل الخارجي منهما جيّدا، لكن الدور الأكبر هو للعامل الداخلي المثقل بأعباء الانقسام الاجتماعي والسياسي الشديد، بحيث تطغى الولاءات المتعددة في تلك المجتمعات على الولاء للدولة نفسها أو بعبارة أخرى على قيمة المواطنة، التي تمثل أحد أهم مفاتيح النظام الديمقراطي.
تجربة الشهور الأخيرة أكّدت أنّ الطريق الديمقراطي العربي ليس معبّداً، وأنّ هنالك ضرورة لمقاربات ورؤى رصينة وجادّة في دراسة حصيلة التجربة الأخيرة (من صعود الحركات السياسية المعارضة كحركة كفاية في مصر و14 آذار في لبنان والانتخابات التي قامت في العديد من الدول العربية ثم الانتكاسات والانهيارات السياسية والاجتماعية التي حدثت) وذلك بهدف التأسيس لعلم اجتماع سياسي عربي بمفاهيم ونظريات ومقتربات مبنية على الواقع العربي لا الواقع الغربي، وهو العلم الذي يجيب عن الأسئلة الكبرى: أين كنّا؟ وأين نقف؟ وما هي الأفاق المستقبلية القادمة؟
لكن المبالغة في تقدير الانتكاسات السياسية الأخيرة ونشر حالة من الإحباط هي قراءة تشاؤمية للمستقبل السياسي العربي فيها نوع من الجبرية والسلبية التي تجذّر من حالة الانهيار الحاصل وتصب في مصلحة النخب الحاكمة الفاسدة في العديد من الدول العربية وفي مصلحة اللوبي الاستشراقي الغربي الذي لا يفتأ يروّج لنظرية "الاستثنائية العربية" في صلاحية الديمقراطية لمختلف الأمم والشعوب. أقول هذا الكلام لأنّنا بالفعل أمام مقالة فكرية عربية جديدة أقرب إلى مرافعة "ضد الديمقراطية" وفي الدفاع عن الاستبداد الحالي بذريعة غياب الشروط الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تشكل البنية التحتية والرافعة الحقيقية للديمقراطية في أي مكان في العالم.
في المقابل؛ فإنَّ الذين لا يرون الانتكاسات الأخيرة ولا يعترفون بالأزمة البنيوية في المسار الديمقراطي، ويصرون على تحميل "العامل الخارجي" الجمل بما حمل في مصائبنا وكوارثنا، هؤلاء الذين يتجاوزون العقبات والعراقيل الحقيقية التي تحول دون الديمقراطية، أيضاً لا يمتلكون رؤية واضحة ودقيقة لما جرى ويجري، فعلى أقل تقدير فإنّ الشهور الأخيرة كشفت انتفاء قيم ثقافية- اجتماعية أساسية في النظام الديمقراطي في مقدمتها المواطنة، سيادة القانون، الاعتراف بالآخر الديني والسياسي والثقافي، التعددية الحقيقية، نبذ العنف في إدارة الصراع الداخلي، فك الاشتباك بين الحقل الديني والسياسي، أو تعريف الأدوار والمساحات والسياقات.
ما سبق لا ينفي وجود قراءات فكرية عربية متميّزة للتطورات السياسية الأخيرة ولحالة المسار الديمقراطي، كمقالات برهان غليون وحازم صاغية وعبد الإله بلقزيز ومحمد جابر الأنصاري وفهمي جدعان وغيرهم، لكننا بحاجة إلى جهود فكرية ومعرفية جماعية أوسع وأكثر عمقاً تنتقل من وصف الواقع وتفكيكه ونقده إلى المساهمة الفكرية والحركية في بناء التيار السياسي القادر على إعادة فتح الطريق الديمقراطي ورسم خارطة الطريق لهذا التيار المنشود.
m.aburumman@alghad.jo