الفايز يكتب: حصار سوريا .. ضرب مزدوج
06-12-2011 10:58 AM
عمون - كتب فايز الفايز - أقرت الجامعة العربية عقوباتها الإقتصادية على سوريا ، بعد العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي ، والهدف المعلن لكل هؤلاء هو الضغط على القيادة السورية لوضع حد للجرائم التي يرتكبها ضد المواطنين هناك ، وبما أن الحديث عن الشعب السوري ، فأعتقد أنه لا ينقصه سنديان العقوبات الاقتصادية لتوجع بطنه ، بعد أن أوجعت مطرقة النظام العسكري ظهره لأشهر وقبلها بسنوات ، فهل الضرب المزدوج يعني أن نتيجة خطأين هو صواب واحد ، لا أعتقد ذلك إلا إذا كان وزير خارجية قطر يشرح لنا نظرية حرب الطاووس .
حتى الآن لا أفهم ، وليت أحدا يفهمني كيف ستضغط العقوبات الإقتصادية على النظام ، ونقصد بالنظام الرئيس بشار الأسد ، والزمرة الحاكمة وقادة العصابات السياسية والأمنية هناك ، فهؤلاء جميعا لن يتأثروا بالحصار ، ولكن من سيتأثر به هو الشعب السوري عامة ، والطبقة الكادحة من العاملين في قطاعات كالزراعة والصناعة ، وستتأثر ايضا دول مجاورة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالعلاقة التجارية مع سوريا كالأردن ولبنان ، وسيكون الأردن هو الخاسر الأكبر كعادته ، والخشية أنه سيختنق إن أغلقت المنافذ والموانىء السورية ، فحجم الإستيراد عبر الأراضي السورية يقارب 80 بالمئة من حجم الواردات ، والصادرات الزراعية الشتوية لن تجد لها أسواق حينئذ
تحضرني هنا التجربة العراقية في تسعينات القرن الماضي عندما فرض الحصار الظالم على الشعب العراقي بمباركة قيادات عربية دفنت او ذهبت الى مزابل التاريخ ، وكلنا نعرف مدى القسوة في ذلك القرار الذي امتد لأكثر من عقد ، ثم عقدت صفقة " النفط مقابل الغذاء " ولولاها لعم الموت جوعا على أطفال لم يجدوا الغذاء فباتوا يشحذون الغذاء في بلد اللبن والعسل والنفط .
في العراق كانت هناك قصة انتشرت ولا استطيع ان أؤكدها ، ولكنها تنطبق مثلا على الحالة السورية ، فقد قيل ان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين طلب ممثلي البعثات الديبلوماسية الى قصره في وجود بعثة وكالة الطاقة الذرية التي كان يترأسها محمد البرادعي والتي أججت الحرب على العراق ، وذُكر ان الرئيس صدام أعد لهم مائدة غداء مترفة تقَصّد فيها إظهار البذخ في الطعام والشراب وأصناف المأكولات النادرة التي لا توضع إلا على موائد الأباطرة .
قيل إن صدام قال لهم يومها : إن هذه المائدة هي من يستطيع الرئيس العراقي ومن حوله الجلوس عليها والأكل منها لسنوات ، أما عامة الشعب فاذهبوا وانظروا ماذا يأكلون نتيجة الحصار المفروض على بلدهم ،، تلك مع عدم مسئوليتي عن صحة الرواية فإنها تقارب الحقيقة في وصفها للحالة الغبية في استبدال الحصار العسكري والسياسي ، بالحصار الاقتصادي على سوريا ، وبدل معاقبة قطيع الذئاب فإنهم يعاقبون قطيع الحملان .
هل يستطيع أحد أن يخبرنا عن مدى توقعاته لنتائج الحصار الاقتصادي على الشعب السوري المحاصر أصلا، حيث لا يستطيع أي مواطن ان يتصرف بأي حساب مالي له في خارج القطر السوري إذا كانت له علاقة مع المصارف السورية ، ولا يستطيع أي عامل أو موظف سوري في الخارج ن تحويل أي مبلغ لعائلته في سوريا ، إذا من سيدفع ثمن حصار سوريا ، الرئيس واركان الدولة ، أم الشعب والنظام الاقتصادي برمته ؟؟
بالنسبة للأردن ، مع تأكيدنا على دعم الشعب السوري على أرضه ، وعدم تشجيعه على التحول الى شعب من اللاجئين الذين لا حول لهم ولاقوة ، فإن صمته ومطالبته الخجلى فيما يتعلق استثنائنا من الحظر يعد تآمرا على المصلحة العليا للوطن والمواطن ، فمن سيدفع تكلفة ارتفاع الأسعار إن ضاقت السبل ، ومن سيقدم لنا جسرا جويا لنقل بضائعنا المستوردة وصادراتنا الزراعية الشتوية الى أسواق أوروبا ، ومن سيتحمل فرق أسعار تذاكر الطيران
ناهيك عن استغلال الوضع الطارىء ، كما استغل العديد من التجار الأردنيين فترة الحصار على العراق ، الذين صدروا كل شيء حتى الطحين الى العراق بأضعاف سعره المعتاد ، ولم يترك تجار الخردة أي شيء إلا باعوه هناك .
أثناء الحرب الأولى على العراق وبعدها حتى منتصف التسعينات ، جائتنا شركة " لويدز " للتفتيش السفن والبواخر في عرض البحر الأحمر ، وأغلق ميناء العقبة جزئيا ، نتيجة البحث فوق السفن عن أسلحة ومحظورات قد تصدر للعراق ، ولم ننس حتى اليوم أزمة النفط التي أدت الى تطبيق نظام التنقل بالمركبات بناء على الأرقام الزوجية والفردية ، كل له يوم ، فهل نحن بانتظار مثل هذه الأزمة في ظل تصاعد أسعار النفط .
جماعتنا مشغولون حتى اليوم في ترتيب أولويات أحلامهم في الحكومة و في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ، و انغمس الجميع في حروب فرعية أنهكت الشارع دون وضع أي خطة زمنية للإنتهاء من أي خطة ، وستبقى الأمور تجري بطريقة الطرد المركزي ، فالدلاء تدور في الهواء ، والماء لا يندلق ، والرهان على من يتعب أولا ، دون أن نتذكر المياة الكبريتية التي تجري من تحت أرجلنا ، فهل باستطاعتنا التعايش مع حدود مغلقة ، وهل نستطيع تحمل التكلفة العالية نتيجة الحرب الاقتصادية على سوريا ، ثم ستفلت منا ، كما فلت العراق !!؟
من هنا على الحكومة أن تعلن رفضها لأي إجراءات تؤثر على انسياب التجارة والتصدير او الإستيراد من سوريا ، لأن هذا يعني مأزق جديد للسوق و للإقتصاد الأردني قبل ان يكون مشاركة في الإثم الذي سيرتكب ضد الشعب السوري الشقيق الجائع بدعوى معاقبة النظام السياسي والعسكري السوري المتخم .