اخيرا اعلنت الحكومة عن تقريرها الخاص بأزمة الثلجة، عبر تصريح صحافي مقتضب وقصير لوزير تطوير القطاع العام. التصريح الذي جاء مساء الثلاثاء، برر ما جرى بأن الثلجة لم تأت على الاردن منذ عشرين عاما. واعترف الوزير بوجود اخطاء، لكنه لم يقدم تفصيلا، وقال ان الحكومة ستعاقب المقصرين. لكن العقوبات، كما اشار الرئيس خلال لقائه مع عدد من الكُتّاب، ستكون سرية وغير معلنة، وهذا ما تحدث عنه الوزير.
والمشكلة داخل الحكومة ان اطرافا مهمة فيها تشعر ان هذه القضية بسيطة، ولا تستحق كل هذه المتابعة. لكن هذه القناعة الخاطئة، يناقضها قيام الحكومة بتشكيل لجنة التحقيق الوزارية، الا اذا كانت الحكومة تفعل هذا من باب "مداراة" الناس والإعلام ومجلس النواب! ومع ذلك، فليس مهما ان تكون الحكومة مقتنعة بأن القضية بسيطة ولا تستحق كل هذا، بل المهم هم الناس والمتضررون.
واصرار الحكومة على الحديث عن التقرير باقتضاب يجعلنا امام خيارين: اما انه تقرير وصل الى عمق الاسباب، وحدد نقاط الضعف والتقصير من المركز الى المحافظات، وهي لا تريد بالتالي نشر هذه القناعات والاستنتاجات، او ان هذا التقرير شكلي، وفيه مجاملة من الوزراء اعضاء اللجنة لزملائهم في الوزارات المعنية بالتقصير، ولهذا كان "تطييب الخواطر"، عبر اعتراف بتقصير ونقاط ضعف، واقتراح مجموعة اجراءات وقائية. إلا أن الاخفاء او المجاملة نقاط ضعف في اداء اللجنة الوزارية، وتفريغ لفكرة التحقيق من مضمونها.
وما يلفت الانتباه اصرار الحكومة على انها ستعاقب المقصرين، لكن من دون ان تعلن، اي بشكل سري! فالحكومة مستورة تحب الستر. لكن هذه السرية في غير وقتها، وعندما نطالب بعلنية العقوبات، فلأننا نخشى ان تستقوي الحكومة على صغار الموظفين، وتترك اصحاب المسؤولية الحقيقية. فالرئيس تحدث عن ان المسؤولين هناك لم يخرجوا خطط الطوارئ من الادراج، لكننا نخشى ان تذهب الحكومة الى معاقبة سائق الجرافة التي كانت خالية من الوقود، من دون ان تذهب الى سؤال الكبار، حتى في عمان، عن عدم المراقبة والمتابعة!
العقوبات سرية لو كان المقصرون في عمل سري، او جهة ذات عمل محدود الانتشار، أما عندما نتحدث عن قضية تحولت الى قضية رأي عام، وكانت حديث الاردنيين، فهذا يعني ان الحكومة تخترع نمطا اداريا، او انها لا تريد ان تعاقب احدا، او ان العقوبات ستذهب الى الصغار. فإذا كان هنالك خلل في عمل مديرية الاشغال، مثلا، فيفترض ان نذهب الى كل تفاصيل التقصير؛ وان كان من البلديات فالامر كذلك، وهكذا فيما يتعلق بسائر الوزارات المعنية.
في دول العالم عندما يخرج قطار عن خط سيره لتقصير في شروط السلامة، يستقيل مدير هيئة سكة الحديد وليس سائق القطار، اي ان المسؤول الاول هو المسؤول عن اي خلل من النوع الذي يتحول الى ازمة، فـ"الغنم بالغرم"، لانه لو كانت هناك اوسمة او مكافآت مالية فسيتقدم الكبار لحملها وأخذها، اما الصغار فتصلهم كتب الشكر او كلمة "يعطيك العافية" التي تصرف بشكل جماعي.
مرة اخرى، ليس المطلوب التشهير بالناس، لكن تجربة الحكومات المتعاقبة تجعلنا نخاف على الصغار من الموظفين او غير المدعومين.
القضية ليست في الثلجة وأزمتها، بل في كون ما حدث احد مقاييس العدالة والشفافية والاداء الاداري السليم. فالحكومة ارتبكت ثم ارادت محاسبة نفسها والتحقيق؛ والان هي تقرر من اخطأ ومن لم يخطئ، ثم تعلن انها ستصدر العقوبات بشكل سري، اي قد لا يعاقب احد، وربما يعاقب الصغار، وربما ايضا تكون العقوبات استنادا إلى قناعة الحكومة ان الامر لا يستحق كل هذه "الدوشة"!
الادارة السليمة تفرض ان تكون العقوبة رادعة لكل الجهاز الاداري، بحيث لا يجرؤ احد على ارتكاب خطأ، اما العقوبة التي لا يسمع عنها احد، او لا تصيب مستحقها، فهي تساهم في تكرار الاخطاء، حتى في قضية تعتقد الحكومة انها عادية، وسببها ان العاصفة الثلجية اكبر مما توقعنا!
لندعو الله ان يجعل الثلوج والامطار وفق قدرات الحكومة، وكفاءة آليات الأشغال والبلديات، وان تأتي وفق جدول زمني يتناسب مع برنامج توزيع الوقود على جرافات الحكومة!
sameeh.almaitah@alghad.jo