إطلالة .. على المشهد الاستراتيجي في المنطقة (2-4)
الدكتور احمد القطامين
05-12-2011 03:11 AM
على اثر انتصار ثورة الشباب في مصر، اضيفت حالة اخرى من حالات اقتلاع نظم الاستبداد في المنطقة العربية واخذت تتعمق لدى الشعوب فكرة مفادها ان عملية الثورة اصبحت ممكنة واصبح بالامكان انجازها بسهولة كبيرة لم تكن متصورة سابقا في ظل اي سيناريو بعد عقود طويلة من من الخمول وابتعاد الشعوب عن المساهمة في حياة اوطانهم.
فبينما شهد العالم في شرقه وغربه خلال الحقبتين الماضيتين حركات شعبية على اثر سقوط الاتحاد السوفيتي اقتلعت على أثرها فكرة الحكم الاستبدادي وتم استبداله بحكم ديمقراطي.. الا ان هذه الموجه تحطمت على تخوم العالم العربي مما ادى الى شعور الأنظمة الاستبداديةفي المنطقة بثقة عالية بنفسها فأضحت تتصرف بدون أدنى حد من الرادع الوطني أو أي شكل من اشكال الالتزام بمعايير الحكم الرشيد.. الى أن وصلت الحالة ببعضها الى الاعتقاد ان عملية توريث الحكم من الأب الى ابنه عملية مقبولة في ظل الغياب التام لأية إرادة شعبية تقاوم مثل هذه الأفكار المجنونة. فاصبحت الدولة وعلاقاتها الاقليمية والدولية وامكانياتها الكلية تتمحور حول انجاز غاية واحدة وهي كيفية وضع خريطة طريق تقود الى انتقال السلطة من الاب الى ابنه دون مشاكل.
فأصبحت الخريطة السياسية والاجتماعية الناظمة لعمل الدولة تتكون من عائلة حاكمة ومجموعة من العائلات القليلة المتحالفة معها حيث يتم الاستحواذ على ثروات المجتمع واقتسامها والهيمنة على كل السلطات وتداولها فيما بينها، يقوم على حماية ذلك نظام امني عالي الكفاءة مزود بمستويات عالية جدا من الموارد وظيفته الاساسية حماية الخريطة السياسية- الاجتماعية القائمة ومنع فئات المجتمع الاخرى من المشاركة الفعلية في ادارة شؤون البلاد او استرداد جزء من الثروات المنهوبة او حتى إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة..
على اثر ذلك تفاقمت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في طول المنطقة العربية وعرضها وانخفضت مستويات الدخول وتصاعدت الاسعار بوتائر متسارعة وتدنت مستويات التعليم بشقيه العام والعالي وانعدمت حوافز البحث والتطوير واصبحت الجامعات التي يفترض ان تكون ساحة للعلم والبحث والتطوير لا تختلف عن المدارس الثانوية الا بخاصية واحدة وهي السماح بالاختلاط بين الجنسين، قاد ذلك الى تصفية الطبقة الوسطى في المجتمع وانضمام افرادها الى جيوش الفقراء الذين لا يملكون الحد الادنى من مقومات الحياة في وطنهم.
هذه الصورة القاتمة بمجملها، ادت الى اختزان الطاقة الشعبية الغاضبة تحت رماد الحياة العامة المحطمة في كل نواحيها.. وكان لابد من متنفس لطاقة هائلة تتفاعل لوحدها تحت هذا الرماد وتحاول خلق قوانين خاصة بها بانتظار الصاعق الذي سيفجر الارض برمادها ونارها.. وكان محمد البوعزيزي في تونس ذلك الصاعق.. حيث اشعل النار في نفسه احتجاجا، ورحل.. ولم يعلم انه قد احدث زلزالا لا زالت ارتداداته تجوب المنطقة العربية طولا وعرضا وتحدث فيها تغييرات عميقة غير مسبوقة منذ انهيار الخلافة العباسية ..
qatamin8@hotmail.com
يتبع....