قال تعالى في كتابه العزيز" نـُؤتي الحكمة من يشاء ومن يـُؤتِ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيراً". صدق الله العظيم
يتساءل الكثيرون في كافة انحاء وطننا الكبير : ماذا يحدث ؟ What is really going on?
لهؤلاء اقول :-
حرقنا اطارات السيارات والاعلام الامريكية وهتفنا ضد امريكا منذ الخمسينات ، وقد اكتوت شعوبنا بسياساتها النكراء والحمقاء ومؤامراتها المستدامة على امتنا العربية جمعاء ، وحرمت شعوبنا من الحياة الحرة الكريمة ، واتت بعملائها ليحكموا باستبداد وقوة – ومع ذلك فقد ازدادت الانظمة العربية القمعية المتواطئة مع النفوذ الامريكي شراسة وعنفا اتجاه شعوبها وبدعم امريكي اوروبي سافر حتى لا تصل تلك المجموعات المناوئة الى الحكم !!- وهي يسارية شيوعية حسبما وصفتها الانظمة وما قالوه للأمريكان :- فإذا حصل ذلك فسيكون بمثابة تهديد مباشر للأمن والاستقرار في الشرق الاوسط وللمصالح الامريكية في المنطقة .هكذا فهمت امريكا وحلفاؤها انَّ كل ّ من طالب بالحرية والكرامة والديمقراطية فهو يساري شيوعي .
وما ان انحل الاتحاد السوفياتي واستقلت دول المنظومة الشيوعية الواحده تلو الاخرى ، واختفى النظام الشيوعي برمته ،آخذ بعض القاده العرب بنهج شمعون بيريز وانذاراته التي اطلقها للغرب وامريكا حينذاك ان " الاسلام " هو الشيوعية الجديده – وتأكد ذلك لدى الراي العام العالمي بعد ظهور القاعده بجرائمها وقتلها المدنيين ومن ثم 11 سبتمبر التي اعطت البرهان القاطع لديهم ان الاسلام دين عنف وقتل وقطع رقاب وقنابل موقوته وهجمات انتحاريه .
وما ان انطلق الربيع العربي منذ بداية العام الحالي 2011 حتى اندفع رجال الفكر والسياسة والصحفيون والمحللون بالتشكيك في كل ما حصل ويحصل ، وان الاجهزة المخابراتيه الغربية كانت المحرك الاساسي لذاك الربيع العربي من اجل شرق اوسط جديد ووقوده المواطن العربي . تحدث البعض عن تدفق الغاز والصراع عليه كما حدث للنفط في اول عهده ، وتطرق البعض الى سايكس بيكو ثانية – وكأنَّ الجماهير العربية مجرد احجار شطرنج تحركها القوى المخابراتيه الامريكية والبريطانية والفرنسية والعربية .
لا أدري ما دخل كل ذلك بتنحي مبارك وهو خادمهم الامين ،ومجنون ليبيا ملك ملوك افريقيا ، والطاغية العميل بن علي وهو من كوادرهم ،و سارق الثروات ومدمر اقتصاد اليمن وقاتل شعبها علي عبدالله صالح ، وحكم عائلي وفئوي في سوريا تحت ستار " الممانعة والمقاومة " . فإذا كان هناك شرق اوسط جديد للأطاحة بهؤلاء العملاء ، واذا كانت هناك سايكس بيكو ثانية لدعم الديمقراطية وحكم الشعب فأهلا وسهلا بها .
هل على امريكا وحلفاؤها القيام بكل ذلك والاطاحة بعملائهم من اجل الغاز ، وامريكا تهيمن على العالم العربي من ألفه الى يائه ، ومن غازه الى نفطه .ليس هناك تناقض اذا قلت أنَّ الجامعة العربية ما كانت لتجتمع لو ما أبدت امريكا رغبتها في ذلك.
اين تقع مصالحنا في هذا الخضم الكبير من الصراعات الدولية؟ .
لست أنادي برفع الاعلام الامريكية ولكنني اشجب حرقها . اما آن الاوان لتغيير اسلوب مخاطبتنا وتبيان نهج جديد في التعامل والحديث مع امريكا والغرب والرأي العام العالمي .
ما وقفت امريكا مع الربيع العربي في بداياته – ووزيرة خارجية فرنسا قررت تقديم الدعم العسكري لنظام بن علي ، وايطاليا وتركيا وقفتا ضد الاحتجاجات الليبية . ولكن يعرف الجميع انه ما كان هناك نجاح للربيع العربي دون دعم فرنسا ساركوزي ووزير خارجيته السياسي الناجح السيد جوبيه، ودولة قطر بآفاقها البعيده وقناة الجزيرة العربية . اما التلكؤ الامريكي والانتظار لما ستأتي به الايام ، فكان ظاهرة مكشوفة .
لماذا لم تتخذ امريكا موقفاً واضحا وحازما ضد ربيبها علي عبدالله صالح ، وهل كان ذلك خوفا من حفنة من فقراء اليمن صنعتهم ونظمتهم اجهزة علي عبدالله صالح واسمتهم بالقاعده لمحاربتهم فيما بعد .
لماذا توقف الربيع العربي ولم يطرق ابواب الجزائر والسودان وغيرها .
لماذا وقفت الجامعة العربية على الحياد التام والشعب الصومالي يذبح كل يوم ، وصحراء اوغادين ضُمت لاثيوبيا ؟ اين جيوش دول المغارب العربي لتكون بديلا عن الجيوش الكينية والاوغندية والحبشية ؟ أين كان هؤلاء العملاء وجنوب افريقيا يـُنتزع من الوطن الام ؟
لماذا لم تأت امريكا بذكـٍر لعشرة مليون فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال وفي الشتات منذ اكثر من ستين سنة ؟ اما يحق لهم اقامة دولتهم المستقلة على ارضهم وعاصمتها القدس؟ هذا طبعا ليس بوارد في السياسات الاميركية المتعاقبة والمخادعة و الحيرى في امرها .
في شهر حزيران عام 1966 قام السناتور روبرت كينيدي بزيارة الى دولة جنوب افريقيا العنصرية آنذاك وخطب في ثمانية عشر الفا من الحضور في جامعة كيب تاون حيث شبه العنصرية بعمل شيطاني ، وان هناك اعمال شيطانية اخرى كالتمييز العنصري في نيويورك والعبودية في جبال بيرو واعتقال قادة الفكر في روسيا الشيوعية . وفي اليوم التالي رَتـَّل مع عشرين الفا من الحاضرين في جامعة ناتال انشودة الحقوق المدنية الامريكية American Civil Right Hymn وعنوانها سَنـَتغـّلَب – We shall Overcome . كنت اتمنى لو وقف المعتصمون امام السفاره الاميركية منددين بالتأمر الامريكي على سوريا المقاومة والممانعه لو انهم بدل ذلك غنوا ترتيلة حقوق الانسان وانتقل ذلك اعلاميا الى الرأي العام الامريكي والعالمي .
لست هنا ابحر بعيدا او اخاطر بالقومية التي آمنت بها منذ شبابي ، وما يهمني هو حياة الانسان العربي وعزته وعيشه الكريم .
أمَا أ ُفتـُضِحت الانظمة التقدمية بعثية كانت او يسارية ؟ والى متى سنبقى نتغنى بها ! هل ظهر زيف جلبة الجموع الحاشده المفبركة !! على حد قولهم والتي نادت بسقوط انظمة اصابها العفن .
هل تحول حكم الانسان العربي في هذه الشراسة الغير مفهومة في التمسك بالسلطة على حساب الشعب وحياته وكرامته . فالتأمل لا يدوم في جوقة التعذيب والقتل والاعتقال والسطو المسلح على البيوت الآمنة وهتك الاعراض . فاللسان العربي لا يُنكر لـُغته ولا الوجه العربي ملامحه .
نادى الكثيرون من اجل هذه الامة ،الحوراني والبيطار والريماوي " وحده ، حرية ،اشتراكية " . ماذا أ ُنـْجـِز منها ، وماذا تبقى منها ، والى ماذا تحولت بعد ان رمى البعث بخيرة رجالاته في غياهب السجون ، وكانت الجرذان تشاركهم وتذكرهم بالحياة والحركة .لا يجوز بعد اليوم اعطاء الطريق لمن خانها وما حافظ عليها . وما يزيدني عجبا بقاء التسميات الحاضرة الغائبة كاليسار والبعث والقوى التقدمية رغم الكوارث التي اتوا بها الى شعوبنا . ما تريده شعوبنا هو الفوز بالحكمة و المعرفة لتغيير الحال الى غير حال . كفانا حكما فرديا تسلطيا . هذا هو لب الصراع ، وهذا هو المحرك الاساسي للربيع العربي الذي اتهموه بالزنى وهو في غاية العفة . فالقومية العربية هي شعاره ومصداقيته في اطارها الديني المحافظ.
ما عاد لشعوبنا ان تقيم التماثيل الرخامية والفولاذية في كل حارة وشارع ومدرسة ومصنع . فالقادة يتميزون بأفعالهم وبارائهم . قال جون أدامز الرئيس الامريكي الثاني " الحرية لا تـُحفظ بدون علم واف بها لدى الشعب ". قال توماس جيفرسون الرئيس الامريكي الثالث ". عَلـَّم وأ ُعلِم الشعب انهم هم الضامنون للحرية " ، كما قال جون ادامز ثانية " هناك خطر في كل الرجال والقاعده الاساسية ان الحكومة الحرة عدم منح السلطة لرجل بامكانه ان يستعملها ليضع حرية المجتمع في خطر .
علينا ان نمرر للعالم بمختلف الحكومات ان القومية العربية لا تحمل عداءا لاحد بل هي القادرة على بناء الجسور السياسية والثقافية والدينية والاقتصادية والتعليمية والبيئية والتراثية فيما بينها بتفاهم تام وحوار بنـَّاء واحترام ٍ متبادل وتعاون ٍ مشترك .
لقد اختلطت الاوراق وتغيرت المقايييس وتنوعت الولاءات فأصبحت ام الشيوعية ومكسيم جورغي وصديقة الشعوب المضطهده دولة تحكمها المافيا ، والصين ام ماوتسي تونغ لا يهمها الا َّوقع " ألينْ" ،والانسان هو آله تعمل وتـُنتج لا اكثر .
ما بقي لدينا يسار او يمين ، وانما هي القومية العربية التي ما انطفأت شعلتها وستبقى المنار الوحيد لشعوبنا العربية والطريق الاسلم للسير فيه مع اطلالة عام 2012 بعد ان تراجع العام الحالي الى الوراء وهو يجمع اوراقه ليُدخلها في سجل التاريخ .
اننا ننادي بالتعاون والحوار والعمل مع فرنسا ساركوزي وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ونطالبها بدعم دولنا الفتية التي أتى بها الربيع العربي في وجبته الاولى – وعلى ما ستأتي به الوجبة الثانية . لا ليسار ٍ تجاوزناه، ولا لبعث ارتضيناه ثم رفضناه ، ونعم لسلفية تتبع كتاب الله واحترام اهل الكتاب ،فالاسلام واحد لا تجزأة فيه ولِتـتخذ من الفقه الاسلامي مساحة واجتهادا ، دون ان تـُكفر مذهبا او تنشر الصراع بين المذاهب الاسلامية وتـُغوِّل مذهباً على اخر- نعم لاسلامية تتقبل الغير وفي رحابها الدين المسيحي المشرقي واتباعه ، وتعمل مع التعددية الحزبية والرأي الاخر . نعم لقومية عربية جامعة في اطارها الديني المحافظ .
فإذا تنوعت احزابنا القومية الى يسار ووسط ويمين ذلك من خلال استراتيجية وفلسفة الوسيلة والاداء للوصول بالاجندة الحزبية الى مرحلة التنفيذ والى الحكم الرشيد فيأخذ كل حزب فرصته في كيانه وعرينه في الوطن الكبير .
عاشت امتنا العربية الماجده.