كلام الملك بخصوص الوزراء ، يوجب التوقف عنده مثنى وثلاث ورباع ، فهؤلاء يطلب منهم دراسات ، ولا يتقدم بها سوى واحد او اثنين ، والوزراء ذاتهم مشغولون بقصص التغيير والتعديل الوزاري. اذا كان الملك شخصيا يذهب الى مستشفى البشير خمس مرات ، ويطلب ادخال تحسينات ، واذا كان الملك شخصيا يذهب الى مطار الملكة علياء الدولي ، اكثر من مرة ، ويطلب تحسينات علينا ان نعرف حجم مأساة المؤسسة الحكومية لدينا ، حين يغيب الخجل والحياء والالتزام. الوزراء في وضع صعب للغاية ، حتى لا نبقى نقول ان هناك انتخابات نيابية ، وبالتالي علينا السكوت عن اخطاء الوزراء ، من اجل عيون الانتخابات ، وحوادث التسمم المتتالية ، لم تمنع مؤخرا من تكرارها مجددا في حليب طلبة الرصيفة ، وفي مئات المتسممين في المزار الشمالي ، حين اخفى الاعلام الرسمي القصة ، حتى لا يجرح مشاعر الجماهير ، وعلينا ان نتوقع حوادث اضافية ، كل يومين ، على هذا المنوال.
الملك قال للوزراء قبل ايام ان من لا يريد ان يعمل فعليه ان يستقيل ، وعلى ارض الواقع ، هي رسالة عدم رضى ملكية على اداء الوزراء بالمجمل ، و اللياقة الملكية لا تجعل النقد ، في هذه المرحلة ، يتناول الرئيس ، بقدر التعميم على كل الوزراء ، وبما يعني في المحصلة وضع الحكومة.
الوزراء ذاتهم ، يعيشون حالة انقسام ، ما بين من يسرب للاعلام معلومات ضد الحكومة ، وما بين النادم لتركه القطاع الخاص ، وما بين الذي تواجه وزارته ملفات صعبة ، وما بين الذي يحاول ان يعمل ، فتتم عرقلته تارة بذريعة ان له صلات مع هذا المتنفذ السياسي او ذاك ، او انه عين لهذا او ذاك ، وفي المحصلة يصبح الاداء ضعيفا ، الى الدرجة التي يغضب بسببها الملك شخصيا مما يجري ، وهو غضب فيه مضمون يتجاوز حدود الرسالة الاعلامية ، وان لم يطل مضمون الغضب برأسه كاملا في هذا التوقيت.
ليس مطلوبا من الملك ان يحمل ملف الحكومة ، وان يشتغل محلها او مكانها ، فيفتتح المستشفيات والمراكز الصحية ويأمر بوقف قرار رفع سعر المشتقات النفطية ، ويوقف قرار رفع الرسوم المدرسية ، ويأمر بوقف رفع اسعار اللحوم والالبان ، ويدخل على خط الاستثمار ، وتسمم الجماهير بالمياه والشاورما والحليب والتين ، ومن احب الملك فعلا ، خفف عنه هذه الاحمال ، فهو في نهاية المطاف انسان ، له طاقته ، وقدرته ، حين يبدأ نهاره فجرا ، بالتعامل مع هذه الملفات التي ترهق الجبال.
من حق الملك على أي حكومة يشكلها ، ان تؤدي الواجب المطلوب منها ، لا..ان يتحول الوزراء الى ثقل بحاجة الى من يحمله ، ويدافع عنهم ويرقع ثقوب ثيابهم ، فبدلا من ان تعين ، صارت الحكومات بحاجة الى من يعينها ، وهو امر مرهق وصعب وغير محمول ، وهو في ذات الوقت امر مؤسف ، وصلنا اليه حكومة بعد حكومة.
غضب الملك له ما يبرره ، فهو مل الوعود ومدرسة جدولة الوعود ، ومل الكلام الجميل المنمق من قبيل "حاضر سيدي" ويريد عملا على الارض ، ولو تنبه كل وزير الى اولويات وزارته قليلا ، لتم حل كثير من المشاكل ، بدلا من انشغال الوزراء بالسؤال عن مستقبلهم عبر الاتصال مع الصحفيين ، وبدلا من انشغال الرئيس بمتابعتهم كوزراء بدلا من متابعتهم كوزراء حكومة ، والفرق بين الامرين كبير.