عندما رد المصريون على الأصوات المريضة
ياسر زعاتره
03-12-2011 03:28 AM
من تابع الهجمة الشرسة على الإخوان المسلمين في الساحة المصرية عبر وسائل الإعلام التي يظهر عليها كارهو الظاهرة الإسلامية بكل ألوانهم، من تابع تلك الهجمة (شملت الحملة السلفيين أيضا) كان يظن أن الجماعة ستخرج خاسرة من معركة الانتخابات، وأن الجماهير ستخرج إلى الشوارع كي تلعنها وتلعن قادتها، وربما تطارد منتسبيها أيضا.
يعتقد بعض الموتورين الذين يكرهون الظاهرة الإسلامية ويتمنون لو تختفي المساجد من على وجه الأرض أنهم بمضيهم في سبيل الهجاء والتشكيك سيتمكنون (على طريقة جوبلز) من إقناع الناس بطروحاتهم، لكنهم ينسون أن للناس ضميرا يصعب تشويهه، وإذا كان بوسع البعض أن يتأثر بذلك الضخ اليومي، فإن كثيرين لا يزدادون إلا تشبثا بقناعاتهم، فيما يبدو أن كثيرين آخرين لا يتابعون ذلك السيل من الهراء الذي يتدفق عبر صحف وفضائيات لا تحصى.
المصريون الذين خرجوا بكل تلك الحماسة إلى مكاتب الاقتراع رغم الطوابير الطويلة، هم أنفسهم الذين خرجوا إلى الصناديق قبل شهور وقالوا نعم للتعديلات الدستورية بنسبة 77 في المئة، لكن العلمانيين المتطرفين، ومعهم بعض اليساريين والقوميين للأسف، ما لبثوا أن رفضوا تلك النتيجة وهاجوا وماجوا ودفعوا المجلس العسكري إلى تجاوز الاستفتاء ونتيجته، ولم يعتبروا ذلك يومها تحالفا مع المجلس العسكري ضد الثورة.
المصيبة أن كل أحد يدعي وصلا بالثورة وأنه الأكثر حرصا عليها وعلى شعاراتها، لكن أحدا لا يريد الاعتراف بأن جوهر الثورة هو إعادة الحكم للشعب الذي كان مغيبا طوال الوقت، وأنه الثورة ليس حفلة للصخب لا تنتهي.
ثوار التحرير ليسوا سواءً، ففيهم شبان تعتز بهم مصر وتعتز بهم الأمة، لكن ذلك لا يعني أن وكالة باسم الثورة قد منحت لكل مجموعة منهم (هناك عشرات الائتلافات الشبابية)، وأن عليهم أن يكونوا أوصياء على الشعب إلى يوم الدين. الثورة كانت ثورة على الدكتاتورية، وهذا هو جوهرها الحقيقي، وإذا تحولت إلى دكتاتورية جديدة تمارس الوصاية على الشعب، فكأنما استبدلنا دكتاتورية بأخرى.
تصحيح مسار الثورة واستمرار الضغط على المجلس العسكري لتسليم الحكم إلى المدنيين مسألة بالغة الأهمية، لكن الانتخابات ليست ضد هذا التوجه، وها هي نتائج الانتخابات الأولية تؤكد ذلك، وليس ثمة أحرص من الإخوان على هذا البعد لأن وصاية المجلس على مصر إنما تستهدفهم هم بشكل مباشر. وحين يصرخ نتنياهو بأن على واشنطن أن تكف عن الضغط على المجلس العسكري من أجل تسليم السلطة للمدنيين لأن البديل هم الإخوان، فهذا دليل على ذلك.
لعل أسوأ ما يمكن أن يسمعه المرء من هراء هو أن الإخوان قد ركبوا على ظهر الثورة، وهذا لعمري كذب وافتراء على الواقع والتاريخ، إذ أن المنصفين يعلمون تمام العلم أنه لولا الإخوان لما كان لتجربة ميدان التحرير أن تنضج وتصل إلى ما وصلت إليه، لأنهم هم الذي حرسوها بكل ما أتوا من قوة، وفي “يوم الجمل” المشهود شهد القاصي والداني أنهم هم الذي صمدوا يوم فر الآخرون وبلغت القلوب الحناجر. أما الأهم فهو أن من كان يُخرج الناس في سائر المدن في ذات الوقت ليثبت أن الثورة ليست في القاهرة وحدها هم الإخوان أيضا.
هذه حقيقة اعترف بها المنصفون من عرب وعجم، لكن بعض الموتورين يصرون على نكرانها، وإذا كان الإخوان لم يشاركوا في مسيرة الثلاثاء قبل الماضي تبعا لاجتهاد غير صائب، فإن ذلك لا يغير في واقع الأمر شيئا، لاسيما أن منطقهم كان يتمثل في التركيز على الانتخابات التي أزف موعدها من أجل تسليم السلطة للمدنيين، وفي حال تلكأ المجلس فلكل حادث حديث.
لا ننكر أن السلفيين لم يكونوا جزءًا من الثورة في البداية، لكنهم ابتداءً ليسو سواءً في الموقف (بعض قصار النظر منهم لا زالوا يهجونها إلى الآن)، كما أن موقفهم ذاك لا يحرمهم من حق الترشح، لاسيما أن سلبية الموقف من الثورة تنطبق على قوىً كثيرة وشخصيات بلا حصر لم تمنع من الانتخابات تتصدرها فلول الحزب الوطني.
الموتورون إياهم كانوا يقولون: إن همَّ الإخوان هو مقاعد مجلس الشعب والسلطة وليس مسار الثورة، وهو كلام عبثي في رأي المنصفين، لأن جوهر الثورة كما قلنا هو تسليم السلطة للشعب من خلال ممثليه الحقيقيين، اللهم إلا إذا أراد أولئك من الإخوان أن يقدموا كل شيء ثم ينسحبوا تاركين الساحة للآخرين.
لا وصاية لأحد على الناس، أكان ليبراليا أم قوميا أم إسلاميا، ويجب أن يعرف الجميع أنهم مسؤولون أمام الجماهير، ولن يتم ذلك إلا عبر انتخابات نزيهة وشفافة وفق قانون انتخابي عادل، وأي كلام غير هذا هو محض تنفيس عن عقد وأمراض حزبية وطائفية لن تخفيه الشعارات البراقة.
(الدستور)