بداية لقد أجمعت الاجتهادات السياسية كافة أن هناك في كثير من الدول إشكالية قائمة بين المثقف والسلطة في الغالبية من الدول. وتفسير ذلك يتعلق بأمرين الأوّل هو طبيعة السلطة ذاتها، فعندما تتميز بالعقلانية وتتصف بالنزاهة وتفتح كل الأبواب وتنشئ أكثر من حوار فهي، بالضرورة، غير تلك السلطة التي تنهج عكس ذلك ويصبح الانحياز إليها هلاكاً فكرياً وإن تم تعويضه «بجاه أو مال أو حظوة».
أما الأمر الثاني فمتعلق بنمط علاقة المثقف بالسلطة، فهو إن انسجم معها في لحظة ما أو على مستوى ما، فإن ذلك لا يعني، بالضرورة أيضاً، أن يتحول المثقف إلى مجرد ممارس «للتنظير» أو «التبرير» أو إبراز «الإنجازات» أو إخفاء «الإحباطات». وهذا في الواقع يحمل السلطة مزيداً من الأعباء ولا يؤمن لها الأعوان الذين يحملون همها.
وهنا يمكن أن ننحاز إلى استقراء تراثي، فقد نصح الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أحد ولاته قائلاً: أكثر من مجالسة العلماء ومناقشة الحكماء والصَـقْ بأهل الورع والصدق، ثم رضهم على أن لا يطروك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة».
وهكذا فإن الحالة المثلى بين المثقف وبين السلطة أن يكون بينهما دائماً جسر من التواصل شريطة احتفاظ كل منهما بكينونته، فيتعرف المثقف بمسؤولية وإدراك للحاضر ووعي للمستقبل بعيداً عن محاولات الإحراج المقصودة، وأن تضمن السلطة للمثقف حريته وكرامته وأمنة. وهذا يقود إلى قيام هامش من الاستقلال الثقافي عن السياسي، فالمثقف هو ليس مجرد بناء فوقي لأسس اقتصادية اجتماعية.
من هذا المنطلق فإن صياغة الفرد في المجتمع لا يمكن أن تكون ناضجة ومفيدة ان لم يكن هناك فهم ومعرفة بين المثقف والذات الفردية للمواطن. فالمثقف لا شك سيجد نفسه تحت مسؤولية المساهمة في إعداد الفرد بصورة مغايرة ان هو انطلق في عمله من مذاهب نظرية ومغيبات. فوجود الشخص المثقف سيعطي حتماً بعداً آخر ومفهوماً آخر لمعنى إعداد المواطن بمنهجية ستقود حتماً إلى خلق مفهوم الصلاح للمواطن.
لذا فإن التواصل بين المثقف وبين السلطة والمواطن أمر ضروري، بدون رياء، لأن فيه كثير من إمكانات التعديل والتصحيح والمكاشفة. وهذا ما يؤسس لفكر ديمقراطي يحمل في ثناياه مفهوم العدالة والشفافية، كما إن عملية التواصل بين مكونات المجتمع ستقود إلى دلالة واضحة على صحة مسيرة الوطن- الأمة، ونبل المقصد ووضوح الرؤية. وبالتالي فإن الأمم لم تتطور بالاقتصاد وحده، بل يبقى الفكر والعقيدة التي يقودها المثقف أهم مرتكزات الرقي والتقدم. ومن هنا جاء عتبنا على المثقفين وأشباههم الذين يحاولون تبرير قتل الحكام لشعوبهم، لا لشيء إلا لأنهم يقولون « ربنا الله»،
فمتى يصحو ضميرنا لقول الحقيقة؟ ومتى نستنسخ فكر محمد عبده وعقائدية جمال الدين الأفغاني.. بل جرأة محمد إقبال و«شكسبير» و«برنارد شو» و«أرنستو همنغواي»؟!
Almajali74@yahoo.com
(الرأي)