تتلمس امتنا - اليوم - طريق النهضة، وتحاول ان تعاود اقلاعها من جديد نحو مشروعها الحضاري الانساني ، وتبحث في مقاومتها ضد اعدائها عن مخرج للمحنة التي عاشتها من قرون ، وهي في كل ذلك - تثبت انها ما تزال حية ، وان عافيتها موجودة في قلوب شبابها وعلمائها الذين يجددون فيها ارادة الصمود والانبعاث.
ونهضة الامة بحاجة الى مقومات ودوافع والى ارادة وامكانيات ، والى وحدة تجبّ فواصل القطيعة والاحتراب ، والى روح وثّابة لا تخضع ولا تقنط ، والى مراجعة شاملة لمسيرة التخلف التي اربكت خطواتها ، ولعوامل الهزيمة التي تغلغلت في النفوس ، وهذه كلها منوطة قدرة العلماء على صياغة المنهج وتقديم النموذج وتخويل التدين الذي بدأ يجتاح مجتمعاتنا الى روح فاعلة ، تنهل طاقتها من الدين الحقيقي ، وتتساوى مع مقاصده ، وترتقي الى درجات سموه ، على ضوء فهم راشد ، وعمل منتظم وحركة دائبة تراعي بين المراد الالهي وبين حاجات الناس وواقعهم ، وبين الجهد البشري المطلوب والسنن الالهية القائمة.
وللعلماء - هنا - اكبر الدور في ذلك ، فهم ورثة الانبياء ، وملح الارض في الارض، اذا استقاموا استقامت احوال الناس ، واذا انحرفوا اهلكوا الامة ، وحملوها ما لم تحتمل، وهذا الدور منوط بالعلماء الربانيين الذين اخلصوا لله دعواتهم ، وانتدبوا انفسهم لحماية دينه والاهتمام بقضايا امتهم ، وليس كل من ادعى العلم عالم ولا كل من جلس في مقاعد العلم حسب منهم ، وانما ثمة شروط للعلماء لا بد ان تتحقق فيهم ، وثمة مواقف لا بد ان تتوفر لهم ، وما احوجنا اليوم الى قراءة نماذج اولئك السلف الذين حملوا الفقه ولواء الجهاد معا ، او كانت مواقفهم تزعزع اركان السلاطين ، او آخرين ضحوا بأنفسهم لأجل كلمة حق ، او تحملوا السجن والغربة لكي لا يقعوا في مصيدة الفتنة ، او لكي لا يكتب التاريخ انهم باعوا دينهم وامتهم بثمن بخس.. منافع او مناصب او غيرها.
وعلماؤنا - اليوم - ليسوا سواء ، فمنهم من آمن بربه وامته وجاهد من اجلها، ووقف كالطود امام الاغراءات والترهيبات، ولم يقطع علاقاته من جمهوره ولا تكسب باسمهم في المنابر والمحافل ، ومنهم من انحاز لمصلحته العابرة ، وانشغل بهمومه واتخذ من الدين معبرا نحو الشهرة وجمع المريدين والمعجبين ، ومع ذلك فان تيار العلماء الواقفين على صراط الله ، والعاملين لنصرة دينه ، والمدافعين عن قضايا امتهم ، ما زال هو التيار الغالب الذي يحظى بحب الشارع وتأييده ، ويؤثر فيهم ، واحسب ان هؤلاء العلماء استطاعوا ان يبدأوا العمل ، وان يدعوا الامة الى طريق نهضتها ويعيدوا اليها الامل بالمستقبل والثقة بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين.
(الدستور)