ابتهاجاً بوقف العمل نهائياً بمشروع الكلية العسكرية في برقش، وهو جهد تآزري لكل من قال لا لقطع أي غصن أخضر. سآخذ جولة مشبعة في الغابة أسحب فيها ما استطعت من الأكسيجين المطيب برائحة المطر العالقة بحبات البلوط الآيلة للحلاوة.
وقد تدهشني بقايا عناقيد القيقب الحمراء، التي نقرتها العصافير، وما زالت متشبثة بأمها. ولكني سأتركها وأفتش عن زهرة تتفتح في غاباتنا هي (النرجس) بمثل هذه الأوقات، سأجلس قبالتها ساعتين، لأمعن في الحب، وأتأمل كيف يستطيع أن يرسم ارادته.
ثقافتنا المعاصرة تطلق لقب (النرجسي) على الأناني المفرط بحب نفسه، لكن العاشقين لهذا الزهر يرون أننا نظلمه إذ نشبهه بالذين جعلهم حبهم لأنفسهم يكرهون الناس، والخضار والأشياء الجميلة؟!. إنهم يستحقون لقباً آخر.
كان أجمل فتى يسير هائماً، كما تشير الأسطورة الإغريقية، لا يريد أن يحادث أية امرأة، فهنَّ لا يلقن به، وكم تمنى لو يجد مخلوقاً يضاهيه جمالاً، فهو لن يصادق أحداً أقل منه شكلاً وجمال وجه، حتى لو كلفه هذا أن يظل وحيداً دون أدنى صديق!!.
ذات مرة جلس الفتى، وكان اسمه (نرسيس)، على ضفة نهر صغير، والشمس ساطعة تجعل النهر مرآة تعكس الأشجار. نظر فرأى وجهاً جميلاً، فرك عينيه ثم نظر ثانية في صفحة النهر، هذا الوجه ما زال هنا، لا بدَّ أنه جاء من أجلي، إنه أجمل وجه رأيته في حياتي، يكاد يشبهني، لولا هالة النور التي حوله، هذه هي المرأة التي أبحث عنها!!.
حدّق نرسيس في النهر، ثم مدَّ يده، فاضطرب الماء، واختفى الوجه؛ فحزن، ثم عاود الكرة بعد أن ركد الماء، فاختفى الوجه من جديد، وهكذا ظل نرسيس على حاله، يوماً بعد يوم، لا يتحرك ولا يأكل، لا يبعد نظره عن وجه الماء، حتى انزرعت ساقاه في ضفة النهر، وصارتا جذوراً، وشعره الطويل المتجعد صار ورقاً، فيما وجهه الأبيض وتاجه الذهبي، صارا تويجات بيض وصفر: لقد تحول الفتى(نرسيس) إلى زهر النرسيس (النرجس)!.
بعيداً عن الأسطورة وقريباً من الحقيقة. سيظل يعجبنا ويعلمنا نرجس عجلون واشتفينا ودبين وبرقش وزي وياجوز، ليس لأنه لم يتجذر بسبب عزلته الأنانية، بل لأنه جذر فينا معنى أن تحب الحياة، وتحب الناس، والأرض، وتحب نفسك. إنه يتضوع عطراً بعد أن رفع رأسه، وأمعن في سماء الحب. فمرحى لمن يتخذون المحبة طريقاً وهدفا، ومرحى لنرسيسة برقشية تتفتح في حضرة الندى .
وابتهاجا بهذا الفرحة سأطلق بإذن الله وحوله، وهمة الخيرين من المحبين للأرض والوطن والغصن الأخضر، سأطلق حملة كبرى قد تكون مليونية، لزراعة الأشجار في عيد الشجرة، سنزرع أشجاراً يتفتح في حضرتها النرجس والحب. الحب الذي دائماً يصنع الدفء والفرق، ويسجل حضوره في سفر الخالدين.
ramzi972@hotmail.com
(الدستور)